يوجد شيء ليس على ما يرام على الإطلاق في البشر وفي عالمهم. فالكل من جميع المذاهب الدينيّة واللا دينيّة يدركون هذا الأمر جيدًا. على سبيل المثال، بينما حقّق الإنسان في العصر الحديث إنجازات خارقة وتقدمًا ملحوظًا وضخمًا في مجال التكنولوجيا والطب، إلا أنه قد ولَّد فوضى عارمة. فقد لقي ما يقرب من ١٨٨ مليون شخص حتفهم بالحرب والقمع في القرن العشرين فقط،[1] وكثيرون منهم قد تعرضوا للاغتصاب، أو التمثيل بجثثهم، أو التعذيب قبل موتهم. وقد كتب كريستوفر رايت تقريرًا أفاد فيه بالآتي:
لقد أصيب العالم بالذعر من جرّاء الهجوم على برجي مركز التجارة العالميّ بنيويورك في الحادي عشر من سبتمبر من عام ٢٠٠١ م، حيث لقي ما يقرب من ثلاثة آلاف شخص حتفهم. في حين تعاني أفريقيا يوميًا من نسبة وفيات تعادل حادثتين من فئة ١١ سبتمبر. … وفي ديسمبر من عام ٢٠٠٤ م، أباد إعصار تسونامي بالمحيط الهندي ما يقرب من ٣٠٠ ألف شخص في يوم واحد. أما في أفريقيا يصيب فيروس نقص المناعة (الإيدز) شهريًا ما يعادل ضحايا تسونامي.[2]
إذًا، ما خطب البشر بالتحديد؟
تفسير مأزق البشريّة:
كثيرون — بما في ذلك الروّاد في العلم، والتعليم، والسياسة، والدين — يقومون بتحليل مأزق البشريّة من خلال افتراضهم صحة نظريّة التطور الطبيعيّ. وتستنتج هذه النظريّة أن الشر جزءٌ لا يتجزّأ من النسيج الأصليّ الذي نُسج منه تاريخ البشر. على سبيل المثال، كتب الفيلسوف الفرنسيّ بول ريكور الآتي:
نحن نشعر أن الشر نفسه جزء من تدبير الوفرة [المترجم: تدبير الوفرة هو تدبير نعمة الله ومنحه لكل شيء بوفرة على أساس المبدأ الكتابي: حيث كثرت الخطية ازدادت النعمة جدًا، مطالبًا الإنسان أيضًا بموجبه بأن يحب الآخرين فوق الطاقة حتى محبة الأعداء] … وبالتالي لابد أن نتحلّى بالشجاعة كي ندمج هذا الشر داخل ملحمة الرجاء. فبطريقة نجهلها نحن، يتعاون الشر نفسه في عمليّة تقدّم ملكوت الله، ويعمل لأجل تحقيق هذا الهدف. … وهكذا، فإن الإيمان يبرر بالفعل إنسان عصر التنوير، الذي يعد الشر بالنسبة له، داخل نسيج ثقافته في أبهى صورها، عاملاُ يؤدي دورًا في تقدم الجنس البشريّ في المعرفة؛ على خلاف التطهيريّ الناموسيّ الذي لا ينجح قط في العبور من الدينونة إلى الرحمة.[3]
أما الإسلام فهو يعتبر الشر، بشكل ما، جزءًا طبيعيًا حتميًا من تقدّم البشريّة. وقد عبَّر نومانول هاك عن هذا قائلاً:
وهكذا، كان خروج الإنسان من الجنة … شيئًا قريبًا من الولادة الطبيعية — كما يخرج طفل رضيع من رحم امرأة، أويخرج طير من البيضة، أو ينمو برعم من غصن شجرة. بل وإن آدم نفسه، مثله مثل الطبيعة، كان لابد أن يتطور تدريجيًا — أدبيًا، وروحيًا، وفكريًا — كما ينمو الطفل ليصير رجلاً بالغًا، وكما تنمو البذرة لتصير شجرة فارعة الطول.[4]
وهكذا فإن حالة الإنسان بحسب الإسلام لا تتضمن التعافي من سقوطِ ما لأجل استعادة حالة أصليّة من المجد، لكنها على النقيض تستلزم إتمام مجموعة من الالتزامات والواجبات التي أوصى بها الله في القرآن.
أما المسيحيّة، على الصعيد الآخر، فهي تقوم بتحليل مأزق البشريّة بصورة فريدة. فهي تبدأ في تحليل الشر بوضعه تحت قسمين مترابطين: الخطيّة والسقوط. فإن الشر موجود بسبب الخطيّة، والخطيّة موجودة بسبب السقوط الذي وقعت أحداثه في التاريخ البشريّ في وقت مبكر. ويؤكد جوناثان إدواردز في البحث الرائع الذي قام به حول عقيدة الخطيّة الأصليّة على أن خطيّة آدم هي التي جلبت الشر إلى العالم:
أنا أعتبر هذه العقيدة [الخطيّة الأصليّة] شديدة الأهميّة. وإن صحَّت بالفعل، فدون شك سيقّر الجميع أيضًا حينئذ بهذه الأهمّية. فإنه، إن صحّ الوضع الذي تفترضه هذه العقيدة، بأن كل الجنس البشريّ بالطبيعة في حالة خراب تام، من حيث الشر الأخلاقيّ الذي يرتكبونه بأنفسهم، وأيضًا من حيث الشر الذي يصيبهم والذي هم عرضة له، الواحد يحدث نتيجة للآخر وكعقوبة عليه، حينئذ بلا شك لابد أن يفترض الخلاص العظيم صحة هذه العقيدة، ولابد لكل إيمان حقيقيّ أو مفهوم صحيح عن الإنجيل أن تُبنى عليها.[5]
وقد كتب بليز باسكال الآتي:
ولكن إنه لشيء مذهل ومثير للدهشة أن تكون تلك المأساة التي هي بعيدة كل البعد عن إدراكنا – أي مأساة انتقال الخطيّة – شيئًا لا يمكننا بدونه الحصول على أي معرفة عن أنفسنا!
إذ بلا شك لا يوجد ما يصيب تفكيرنا بالصدمة أكثر من كون خطيّة الإنسان الأول هي سبب إدانة أولئك الذين كانوا أبعد ما يكون عن مصدر العدوى، حتى أنه كان من المستحيل أن يصابوا بعدوى هذه الخطية. فإن مبدأ انتقال الخطيّة لا يبدو لنا مستحيلاً فحسب، بل أيضًا جائرًا للغاية. فأي شيء يمكن أن يناقض قوانين العدالة المثيرة للشفقة أكثر من إدانة أبديّة لطفل تعوزه قوة الإرادة لارتكاب خطيّة، يبدو أنه لعب فيها دورًا صغيرًا للغاية، وهي أيضًا قد تم اقترافها قبل أن يولد بستة آلاف عام؟ نؤكد لكم أنه لا شيء يمكن أن يكون صادمًا لنا من بين جميع العقائد الأخرى أكثر من هذه العقيدة. ومع ذلك، وبدون هذا اللغز الغامض وغير المعقول البتة، فإننا نعجز عن فهم أنفسنا. فإن الخيوط المتشابكة لعقدة حالتنا تلف حول هذه الفجوة [المترجم: أي أن هذا اللغز يعد الأساس لفهم تشابك وتعقيد حالتنا]، حتى أن الإنسان نفسه دون هذا اللغز يصير غامضًا أكثر من كون اللغز نفسه غامضًا بالنسبة له.[6]
إن المسيحيّة وحدها هي التي تقوم بتحليل مأزق البشريّة بشكل مقبول. فإن الشر موجود بسبب الخطيّة، والخطيّة موجودة بسبب السقوط. والخطية لم تنشأ في الأصل على الأرض بل في السماء عينها.
لم تظهر الخطيّة على نحو فجائيّ على الأرض أولاً، بل في السماء، في حضرة الله المباشرة، أمام عرشه. فقد نشأت فكرة مقاومة الله، والرغبة والإرادة لفعل هذا أولاً داخل قلوب الملائكة.[7]
دخول الخطيّة:
“فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ” (تكوين ١: ١). وكان رد فعل الملائكة على هذا أنهم ترنموا في فرح وابتهاج: “َعلَى أَيِّ شَيْءٍ قَرَّتْ قَوَاعِدُهَا؟ أَوْ مَنْ وَضَعَ حَجَرَ زَاوِيَتِهَا، عِنْدَمَا تَرَنَّمَتْ كَوَاكِبُ الصُّبْحِ مَعًا، وَهَتَفَ جَمِيعُ بَنِي اللهِ؟” (أيوب ٣٨: ٦-٧). وبعد أن خلق الله الكون “رَأَى اللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدًّا” (تكوين ١: ٣١). ثم لاحقًا سقط الملائكة وطُرحوا خارجًا (٢ بطرس ٢: ٤؛ يهوذا ٦). وكان آدم الذي هو نظير المسيح (رومية ٥: ١٢-١٩؛ ١ كورنثوس ١٥: ٢٢، ٤٥-٤٩) يمثل كل الجنس البشريّ.
وَأَوْصَى الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ قَائِلاً: «مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلاً، وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ». (تكوين ٢: ١٦-١٧)
ثم اقتحمت الخطيّة المشهد حين عصا آدم وحواء الله وأكلا من الثمرة المحرّمة.
مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ. فَإِنَّهُ حَتَّى النَّامُوسِ كَانَتِ الْخَطِيَّةُ فِي الْعَالَمِ. عَلَى أَنَّ الْخَطِيَّةَ لاَ تُحْسَبُ إِنْ لَمْ يَكُنْ نَامُوسٌ. لكِنْ قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ مِنْ آدَمَ إِلَى مُوسَى، وَذلِكَ عَلَى الَّذِينَ لَمْ يُخْطِئُوا عَلَى شِبْهِ تَعَدِّي آدَمَ، الَّذِي هُوَ مِثَالُ الآتِي. (رومية ٥: ١٢-١٤)
واستطاع إبليس الوصول إلى آدم من خلال حواء امرأته:
فَرَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّ الشَّجَرَةَ جَيِّدَةٌ لِلأَكْلِ، وَأَنَّهَا بَهِجَةٌ لِلْعُيُونِ، وَأَنَّ الشَّجَرَةَ شَهِيَّةٌ لِلنَّظَرِ. فَأَخَذَتْ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَكَلَتْ، وَأَعْطَتْ رَجُلَهَا أَيْضًا مَعَهَا فَأَكَلَ. فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَلِمَا أَنَّهُمَا عُرْيَانَانِ. (تكوين ٣: ٦-٧ب)
البر الأصليّ:
لقد خلق الله آدم في حالة استقامة. أي أنه امتلك ما يمكننا أن نطلق عليه البر الأصليّ. وكانت هذه الفترة تعدّ فترة اختبار تعرَّض فيها آدم وحواء إلى الغواية فأذعنا لها. لقد كان بإمكانهما ألا يخطئا، وكان بإمكانهما أيضًا أن يخطئا.
لقد منح الله الإنسان القدرة على الاختيار الحر بين البدائل في حياديّة تامة. لكن الإنسان، بإرادته الحرة ودون أي إجبار أو قضاء خارجيّ، استخدم تلك القدرة في ارتكاب الخطيّة. لم يكن هناك في حالته الجسديّة، أو طبيعته الأدبيّة، أو طبيعة البيئة المحيطة به ما يجبره على هذا، مما قد يفسر ويعلل وجوب ارتكابه للخطيّة. لكن كانت هذه حركة حرة نبعت من داخل روح الإنسان. ونقول مستخدمين كلمات ليدلو: “لقد نبع هذا الخطأ من إغواء خارجيّ، وفي شكل حدث ظاهري، لكنها كانت أزمة داخليّة.”[8]
لقد كان تعريض آدم للتجربة أمرًا منطقيًا، لكن إذعانه لها لم يكن كذلك. فقد بارك الله آدم بأن سلّطه على كل الأرض، وأعطاه زوجة نظيره، كما باركه أيضًا بشركة معه هو نفسه. ووضع الله الخليقة بأكملها — فيما عدا شجرة واحدة — تحت سلطان وسيادة آدم. وكانت البركات والفوائد التي منحها الله له فائقة، تمامًا كما كان الخطر الذي هدده به عند الأكل من الثمرة المحرّمة أيضًا فائقًا.
الشر ومشيئة الله:
لقد قضى الله سياديًا بدخول الخطية إلى العالم، وكان آدم مسئولاً عن ارتكابه الخطيّة بحريّة إرادته.
لقد قام الله منذ الأزل، بحسب رأي مشيئته الكلي الحكمة والقداسة، وبحرية إرادة مطلقة، ودون قابليّة للتغيير، بتعيين كل ما يحدث. ومع ذلك فهو ليس مصدر الخطيّة، كما أنه لا يُجري أي قمع أو إكراه من أي نوع على إرادة المخلوقات، ولا يُبطل حرية عمل المؤثّرات الثانويّة أو احتماليّة حدوثها، لكنه بالحري يرسخها ويؤكدها. (إقرار إيمان ويستمنستر الفصل ٣ والبند ١)
كثيرون يتساءلون إن كان الله قد تحلّى بالحكمة والعدل في تعيينه للشر. فإن الله القدوس، الذي ليس هو مصدر الشر، لم “يسمح” فحسب بوقوع الشر. فإن الأمر ليس أنه لم يعّين وجود الشر ولكنه فقط سمح بوقوعه. فإن سماح الله بالشر لا ينجح في إمدادنا بإجابة تزيل حدة التوتر النابعة من افتراض أنه قد يعّين الشر، لأن الله في كلتا الحالتين [المترجم: أي تعيينه للشر أو سماحه به] يأمر بدخول الخطيّة. ويبدي بافينك ملاحظته على هذا قائلاً:
هو [الله] لم يخش من وجودها ومن سطوتها [الخطية والشر]. بل قد شاء وجودها، كي بها وبالمقابلة معها يمكنه أن يسلّط الضوء على صفاته الإلهيّة. فإن لم يكن قد شاء ذلك، كان سيوجد دائمًا قبول منطقيّ بأنه لم يكن متفوقًا وساميًا في جميع صفاته على قوة ما كانت إمكانيّة ممارستها متأصّلة وفطريّة داخل المخلوقات نفسها. فإن جميع المخلوقات العاقلة، باعتبارها كائنات مخلوقة، ومحدودة، وقاصرة، وقابلة للتغيير، لديها إمكانيّة الارتداد عن الله. لكن لأن الله هو الله، فهو لم يخش قط طريق الحريّة هذا، أو واقع وجود الخطيّة، أو ظهور الشر، أو قوة إبليس. وهكذا فهو دائمًا ما يمارس سيادته وسلطانه على الخطيّة من حيث أصلها وتطوّرها. فهو لا يقحمها بالقوة، وأيضًا لا يمنعها بالقوة، لكنه يجيز لها بالوصول إلى كامل طاقتها الفعّالة. فهو يظل ملكًا ومع ذلك يمنحها سلطانًا حرًا في مملكته. إذ يجيز لها بالحصول على كل شيء — عالمه، ومخلوقاته، وحتى مسيحه – فإن الشرور لا يمكنها أن توجد دون الخيرات. كما أنه يجيز لها باستخدام كل ما له، ويمنحها الفرصة كي تُظهر ما يمكنها فعله، كي في النهاية كملك الملوك، ينحيها عن ساحة المعركة. فإن طبيعة الخطيّة تجعلها تدمّر نفسها ذاتيًا بالحريّة عينها التي أعطيت لها، فهي تموت من جراء أمراضها، وتحكم على نفسها بالموت. وفي أوجّ قوّتها، وبالصليب وحده، تُشهَر جهارًا فاقدة كل قوتها وسلطانها (كولوسي ٢: ١٥).[9]
الخطيّة الأولى ومظاهرها:
تعد آثار ونتائج خطية آدم شديدة الصعوبة والعمق، وهي تؤثر فينا جميعًا.
الخطيّة هي التعدي الذي يجلب الدينونة:
الخطيّة هي كسر ناموس الله، ملك السماء والأرض.
كُلُّ مَنْ يَفْعَلُ الْخَطِيَّةَ يَفْعَلُ التَّعَدِّيَ أَيْضًا. وَالْخَطِيَّةُ هِيَ التَّعَدِّي. (١ يوحنا ٣: ٤)
وَأَوْصَى الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ قَائِلاً: «مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلاً، وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ». (تكوين ٢: ١٦-١٧)
وبسبب تمرد آدم، لعن الله البشر وعالمهم على حد سواء (تكوين ٣: ١٦-١٩)، واقتحم الموت الجسديّ والروحيّ المشهد. وبعين ثاقبة وناظرة إلى الفداء الأخير والنهائيّ للنظام المخلوق، لعن الله العالم: “إِذْ أُخْضِعَتِ الْخَلِيقَةُ لِلْبُطْلِ لَيْسَ طَوْعًا، بَلْ مِنْ أَجْلِ الَّذِي أَخْضَعَهَا عَلَى الرَّجَاءِ. لأَنَّ الْخَلِيقَةَ نَفْسَهَا أَيْضًا سَتُعْتَقُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الْفَسَادِ إِلَى حُرِّيَّةِ مَجْدِ أَوْلاَدِ اللهِ” (رومية ٨: ٢٠-٢١). وهذا يفسر الشر الذي نراه في الطبيعة، لأنه لم يكن من الممكن للزلازل، أو الأعاصير، أو الفيضانات، أو البراكين أن توجد بمعزل عن السقوط.
الخطية تُنتِج تجنّبًا عن حياة الله:
لقد كسرت خطية آدم الشركة التي كان يتمتع بها مع الله. فعند البشر، قد تبدو خطيّة واحدة عديمة الأهميّة، لكن ليس الأمر كذلك لدى الإله القدوس، الذي “عَيْنَاه أَطْهَرُ مِنْ أَنْ تَنْظُرَا الشَّرَّ، وَلاَ تَسْتَطِيعُ النَّظَرَ إِلَى الْجَوْرِ” (حبقوق ١: ١٣). وبالتالي “طَرَدَ [الله] الإِنْسَانَ، وَأَقَامَ شَرْقِيَّ جَنَّةِ عَدْنٍ الْكَرُوبِيمَ، وَلَهِيبَ سَيْفٍ مُتَقَلِّبٍ لِحِرَاسَةِ طَرِيقِ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ” (تكوين ٣: ٢٤).
لقد صار البشر أعداء الله. لكن متى يخلص يسوع شعبه فهو يصالحهم لله: “أَيْ إِنَّ اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ” (٢ كورنثوس ٥: ١٩). “لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا وَنَحْنُ أَعْدَاءٌ قَدْ صُولِحْنَا مَعَ اللهِ بِمَوْتِ ابْنِهِ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا وَنَحْنُ مُصَالَحُونَ نَخْلُصُ بِحَيَاتِهِ!” (رومية ٥: ١٠).
الخطيّة عامة وشاملة:
مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ… فَإِذًا كَمَا بِخَطِيَّةٍ وَاحِدَةٍ صَارَ الْحُكْمُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ لِلدَّيْنُونَةِ، هكَذَا بِبِرّ وَاحِدٍ صَارَتِ الْهِبَةُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، لِتَبْرِيرِ الْحَيَاةِ. لأَنَّهُ كَمَا بِمَعْصِيَةِ الإِنْسَانِ الْوَاحِدِ جُعِلَ الْكَثِيرُونَ خُطَاةً، هكَذَا أَيْضًا بِإِطَاعَةِ الْوَاحِدِ سَيُجْعَلُ الْكَثِيرُونَ أَبْرَارًا. (رومية ٥: ١٢، ١٨-١٩)
فَإِنَّهُ إِذِ الْمَوْتُ بِإِنْسَانٍ، بِإِنْسَانٍ أَيْضًا قِيَامَةُ الأَمْوَاتِ. لأَنَّهُ كَمَا فِي آدَمَ يَمُوتُ الْجَمِيعُ، هكَذَا فِي الْمَسِيحِ سَيُحْيَا الْجَمِيعُ. (١ كورنثوس ١٥: ٢١-٢٢)
المسيح وآدم يشغلان دورًا تمثيليًا متوازيًا.
يختلف المسيحيون معًا بشأن وسيلة انتقال ذنب آدم وفساده إلى بقيّة البشر. البعض يعتقدون أننا لا يمكن أن نعرف شيئًا كهذا. وآخرون يعتقدون أن آدم متصل عضويًا بجميع البشر، الذين كانوا في آدم حين أخطأ (انظر عبرانيين ٧: ٩-١٠). أما الرأي الأكثر إقناعًا فهو أن آدم يعدّ ممثّل البشريّة الفيدراليّ،[10] وبالتالي حُسبت خطيته على جميع ذريته الجسديّة.
الخطيّة هي الفساد:
تخترق الخطية كيان البشر متوغلة بداخلهم ومفسدة إياهم جذريًا. البعض يطلقون على هذا اسم “الفساد الكليّ”، وهو مصطلح يساء فهمه كثيرًا. فهو لا يعني أن البشر قد وصلوا بالفعل إلى مقدار الشر الذي يمكنهم الوصول إليه، أو أنهم لا يستطيعون القيام بأي نوع من الأعمال الصالحة. لكن المصطلح يعني أن الخطية تؤثر على الشخص بالكامل: “جميع البشر متجنّبون عن حياة الله، فاسدون في جميع جوانب كيانهم (على سبيل المثال: جسديًا، وعقليًا، وإراديًا، وعاطفيًا، وروحيًا)”.[11]
فحين أخطأ آدم وحواء، اختبرا على الفور شعور بالخزي، فحاولا تغطية عريهما. كما شعرا أيضًا بالذنب، ولذلك اختبآ. فهما لم يشعرا قط بهذا الشعور من قبل، لكنهما الآن لن يستطيعا التخلص على الإطلاق من شعورهما بالذنب، وخزيهما، وفسادهما (انظر تكوين ٣: ٨-١٣). لقد وعدهما إبليس بأنهما سيكتسبان معرفة بالخير والشر، لكنه لم يخبرهما بأنهما لن يستطيعا تحمل هذه المعرفة والتعامل معها. ويقول بافينك:
بحسب العلم الحديث، لا يعد المرض مادة معينة، بل هو الحياة في ظل ظروف متغيرة، بحيث تظل قوانين الحياة في واقع الأمر كما هي في أي جسد صحيح، إلا أن خللاً قد أصاب النشاط الطبيعيّ للأعضاء ولوظائف تلك الحياة. كما أن هذه الوظائف لا تتوقف حتى في الجسد الميت، لكن النشاط الذي يبدأ في ذلك الوقت هو نشاط مدمر ومحلل للجسد. هكذا أيضًا الخطيّة ليست مادة في حد ذاتها، بل هي ذلك النوع من الخلل الذي يصيب جميع المواهب والطاقات الموهوبة للإنسان، مما يجعلها تعمل في اتجاه آخر، ليس صوب الله بل بعيدًا عنه. فإن العقل، والإرادة، والاهتمامات، والمشاعر، والرغبات، والقدرات النفسيّة والعضويّة من أي نوع كانت، جميعها كانت قبلاً أسلحة للبر لكنها الآن بعمل الخطية المبهم والغامض فيها قد تحوّلت إلى أسلحة للإثم. فإن صورة الله التي حصل عليها الإنسان عند خلقه لم تكن مادة معينة، لكنها كانت شيئًا ملائمًا للغاية لطبيعته حتى أنه بفقدانها صار مشوهًا تمامًا وبغيض المنظر.[12]
“اَلْقَلْبُ أَخْدَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ نَجِيسٌ، مَنْ يَعْرِفُهُ؟” (إرميا ١٧: ٩). “إِذْ هُمْ مُظْلِمُو الْفِكْرِ، وَمُتَجَنِّبُونَ عَنْ حَيَاةِ اللهِ لِسَبَبِ الْجَهْلِ الَّذِي فِيهِمْ بِسَبَبِ غِلاَظَةِ قُلُوبِهِمْ” (أفسس ٤: ١٨). ويشرح دابني هذا قائلاً:
يتمركز عرش هذه العادة [الهابيتوس (habitus)] الأدبيّة الفاسدة بكل تأكيد داخل النزعات والميول الأدبيّة. وبما أن هذه النزعات والميول تعطي تعليمات مباشرة نشطة لجميع ملكات وأجزاء النفس والجسد، في صورة أفعال تحمل صفات أدبيّة، فيمكن القول إذًا إن هذه الأفعال جميعها مشوهة أدبيًا. فإن الضمير (الجزء الأسمى في الحدس المنطقيّ) لم يخرب بالكامل، لكن أصيب بالخلل من جهة دقة حكمه على الأمور، وهذا بسبب الرغبات الشرّيرة. كما المشاعر الأدبيّة الغريزيّة التي ينبغي أن تصاحب هذه القدرة على الحكم ذبلت من جرّاء إهمالها، حتى أنها تبدو فعليًا وفي الوقت الحالي واهنة أو ميتة. أيضًا قد انحرفت وفسدت وجهات نظر الإدراك فيما يخص جميع الموضوعات الأخلاقيّة، وذلك من جراء نزعات وميول القلب الخاطئة، حتى أننا صرنا نطلق على الخير شرًا، والشر خيرًا. وبالتالي نتج عن هذا “عمى الذهن” في كافة الموضوعات الأخلاقيّة. أيضًا تصير الذاكرة مخزنًا يعج بالصور والذكريات الفاسدة، مما يمد الخيال بمادة خصبة، مدنسًا ومشوهًا كليهما. كما تصير الشهيات الجسديّة غاشمة وجامحة، إذ حفزتها شهوات النفس، وذاكرة منجسة أو خيال منجس، وتساهل غير ملجَّم. وتصير الأطراف وأعضاء الحس عبيدًا للإثم. وهكذا فإن ما لا يمكن أن يكون نجسًا حرفيًا صار يخضع بالفعل للاستخدامات النجسة.[13]
الخطيّة تُنتِج عجزًا:
يصف مصطلح الفساد الكليّ حالة البشر العامة. أما العجز الكليّ فهو يصف نتيجة تلك الحالة: فإن البشر بدون تدخل الله بنعمته عاجزون تمامًا عن معالجة حالتهم. ويشرح دابني هذا قائلاً:
كل فعل أخلاقيّ لديه ميل بداخله لتنمية ورعاية النزعة الطبيعيّة التي يُطلق هذا الفعل العنان لها. قد تعتقد أن تصرفًا واحدًا ينتج قوة يسيرة، ورباطًا ضعيفًا جدًا من العادة، يتألف من خيط واحد! ليس الأمر دائمًا هكذا. فإن تحرك المؤشر قليلاً فهو يكون بهذا قد تحرك، وهكذا تبدأ مسيرة الانحدار، بخطوة واحدة فحسب. وبالتأكيد ستزداد قوة الدفع، وإن كانت هذه الزيادة تدريجيّة. فإن محبة الذات الجامحة قد صارت الآن مبدأ للحياة، وستستمر للأمام حتى تضمن الهيمنة الكاملة…
وهكذا فإن الفساد الفطريّ هو فساد كليّ، أي أنه تام وقاطع من حيث استحالة تعافي الإنسان ذاتيًا منه. فإن الخطيّة الأصليّة تنشئ ميلاً مباشرًا للفساد المستفحل، وفي النهاية، للفساد التام. ونقول في كلمة واحدة: هذا هو الموت الروحيّ. فإن الموت الجسديّ قد يترك ضحيته في درجات متفاوتة من الحالة المزريّة. أي قد لا تكون الجثة هزيلة بشكل كبير، وقد تظل دافئة، أو لينة، أو تظل تحمل أثرًا طفيفًا من اللون على الوجنتين، أو ابتسامة على الشفاه. وربما تظل الجثة ثمينة وجميلة في عيون من أحبوا هذا الميت. لكنها مع كل هذا ميتة وقد فارقتها الحياة، ويوشك التعفن البغيض على اللحاق بها، إن آجلاً أو عاجلاً. الأمر فقط مسألة وقت.[14]
ليس الأمر أن البشر يريدون الخضوع لله لكنهم لا يستطيعون. لكن إرادتهم نفسها قد نال منها الفساد حتى أنهم لا يريدون فعل الصواب. “لأَنَّ اهْتِمَامَ الْجَسَدِ هُوَ عَدَاوَةٌ للهِ، إِذْ لَيْسَ هُوَ خَاضِعًا لِنَامُوسِ اللهِ، لأَنَّهُ أَيْضًا لاَ يَسْتَطِيعُ” (رومية ٨: ٧). فإن البشر يستمرون في مقاومة الله — وهذا هو بالتحديد ما يرغبون في فعله — حتى يغيّر الله إرادتهم ليريدوا الخضوع لله.
الخطية تُنتِج عبوديّة لإبليس:
حين أخطأ آدم، انتقلت مقاليد الحكم على الأرض من يد آدم إلى يد إبليس. حيث يقود إبليس قوة كبيرة ومنظّمة وعاتية من الشياطين المضادين لله، والمتعهدين بإهلاك وتدمير شعبه. فهو يشتكي على البشر ويغويهم (انظر أيوب ١؛ ١ أخبار الأيام ٢١: ١؛ زكريا ٣).
ويعني لقب إبليس “الخصم”. وهو أيضًا يُدعى الشيطان (أي “المفتري”)، والشرير، والمشتكي، والمُجرّب، وبليعال (أي “انعدام القيمة”)، وبعلزبوب (اسم يطلق على إله الذباب في عقرون)، ورئيس الشياطين، ورئيس سلطان الهواء، ورئيس هذا العالم، وإله هذا الدهر، والتنين العظيم، والحيّة القديمة. فهو إله هذا العالم، الذي يعمي أذهان غير المؤمنين إلى أن يضئ لهم الله في قلوبهم بنور المسيح المحرر (٢ كورنثوس ٤: ١-٦). فإن “الْعَالَمَ كُلَّهُ قَدْ وُضِعَ فِي الشِّرِّيرِ [الترجمة الإنجليزية: تحت سلطان الشرير]” (١ يوحنا ٥: ١٩). ولهذا كتب بولس:
وَأَنْتُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا بِالذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا، الَّتِي سَلَكْتُمْ فِيهَا قَبْلاً حَسَبَ دَهْرِ هذَا الْعَالَمِ، حَسَبَ رَئِيسِ سُلْطَانِ الْهَوَاءِ، الرُّوحِ الَّذِي يَعْمَلُ الآنَ فِي أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ، الَّذِينَ نَحْنُ أَيْضًا جَمِيعًا تَصَرَّفْنَا قَبْلاً بَيْنَهُمْ فِي شَهَوَاتِ جَسَدِنَا، عَامِلِينَ مَشِيئَاتِ الْجَسَدِ وَالأَفْكَارِ، وَكُنَّا بِالطَّبِيعَةِ أَبْنَاءَ الْغَضَبِ كَالْبَاقِينَ أَيْضًا. (أفسس ٢: ١-٣)
ويبدي بافينك ملاحظته على هذا قائلاً:
يمكننا أيضًا تطبيق النظرة العضويّة [المترجم: نظريّة تفيد بأن المجتمع يشبه الجسم البشري، حيث تكون جميع الأجزاء مرتبطة ارتباطًا وظيفيًا ولا يمكن لجزء التواجد في عزلة عن البقيّة] على الخطايا التي تستعلن في جوانب معينة من حياة الإنسان. فهناك خطايا شخصيّة وفرديّة، لكن هناك أيضًا خطايا عامة واجتماعيّة، وخطايا تختص بعائلات أو أمم معيّنة، وما شابه ذلك. … كما نعلم فإننا جميعنا نلاحظ جانبًا صغيرًا للغاية فحسب من هذه الخطايا في دائرتنا المحدودة، وفي هذا أيضًا تكون ملاحظتنا سطحيّة. لكن إن أمكننا الاختراق والدخول عبر جوهر ما نراه بأعيننا، وتتبّعنا أثر جذور هذه الخطايا في قلوب البشر، بكل تأكيد سنصل إلى استنتاج أن في الخطيّة أيضًا توجد وحدة، وفكر، وخطة، ونمط — وفي كلمة واحدة نقول إنه يوجد أيضًا في الخطية نظام. … فإن الخطيّة في مبدئها وجوهرها الأساسي ليست سوى عداوة مع الله، وهي لا تهدف في العالم سوى إلى الهيمنة السياديّة الكاملة. وكل خطيّة، حتى أصغر الخطايا، فكونها تعديًا على الناموس الإلهيّ، هي تخدم هذا الهدف النهائيّ بالترابط مع النظام بأكمله. فإن تاريخ العالم ليس عمليّة تطوريّة تعمل بصفة عشوائيّة، بل هي مأساة دراميّة بشعة، وصراع روحيّ، امتد عبر قرون طويلة. وهو حرب بين الروح الذي من فوق والروح الذي من أسفل، وبين المسيح وضد المسيح، وبين الله وإبليس.[15]
كيف ينبغي لنا إذًا أن نحيا؟
كثيرًا ما نجد اقتراحات يطرحها السياسيّون، والفلاسفة، والعلماء، وعلماء النفس، وعلماء الاجتماع في العصر الحديث بشأن علاجات قد تكون فعّالة لعلل وأمراض عالمنا هذا. إلا أن العلاجات والحلول التي لا تضع في حسبانها هذا الفهم عن الخطيّة لا تعد سوى تسلية طفوليّة، لأنها لم تبدأ بعد في فهم عمق مأزق البشريّة. فإن البشر ليس في وسعهم حل مشكلة الخطيّة العميقة والعامة التي وقعوا فيها. وحده الله يستطيع هذا.
تلك هي المشكلة التي نواجهها. ففينا، أي في الإنسان، هذه القوة الرهيبة العاتية التي تدعى “خطيّة”، والتي تجنبنا عن الله وتدفعنا إلى أن نبغضه، وفي الوقت ذاته تحط من قدرنا وتدفعنا إلى سلوك لا يمكن وصفه سوى بأنه شائن ومنفر. يا له من بُطل لا جدوى منه أن نفكر في هذه الأمور ونناقشها نظريًا، ويا له من جرم أن ننظر إلى الحياة من خلال نظارات ورديّة متفائلة. فقط حين نواجه الحقائق، وندرك الطبيعة الحقيقيّة للمشكلة، حينئذ سيتسنّى لنا أن نرى أنه لا توجد سوى قوة واحدة كافية وحدها أن تتعامل مع الأمر — وهي قوة الله.[16]
نحن تحت رحمة الله بالكامل:
حين ندرك أن حاجتنا ماسة بهذا القدر، فالأفضل لنا أن نقدّر قيمة محبة الله العظيمة، ورحمته المترائفة، ونعمته المجيدة التي تخلصنا من الخطية. وهذا يدفع بنا إلى أن نعبد الله ونسجد عند قدميه لأجل خلاص هذا مقداره.
إن قدرة الخطية على التدمير والتخريب هي قريبة من اللامحدوديّة. ولهذا لابد أن نرهبها ونبغضها. فإنها عظيمة للغاية حتى أنه لا يمكن أن ينقذنا منها سوى موت ابن الله. ولهذا دعونا نتذكر الآتي:
فَإِنَّهُ إِنْ أَخْطَأْنَا بِاخْتِيَارِنَا بَعْدَمَا أَخَذْنَا مَعْرِفَةَ الْحَقِّ، لاَ تَبْقَى بَعْدُ ذَبِيحَةٌ عَنِ الْخَطَايَا، بَلْ قُبُولُ دَيْنُونَةٍ مُخِيفٌ، وَغَيْرَةُ نَارٍ عَتِيدَةٍ أَنْ تَأْكُلَ الْمُضَادِّينَ. مَنْ خَالَفَ نَامُوسَ مُوسَى فَعَلَى شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةِ شُهُودٍ يَمُوتُ بِدُونِ رَأْفَةٍ. فَكَمْ عِقَابًا أَشَرَّ تَظُنُّونَ أَنَّهُ يُحْسَبُ مُسْتَحِقًّا مَنْ دَاسَ ابْنَ اللهِ، وَحَسِبَ دَمَ الْعَهْدِ الَّذِي قُدِّسَ بِهِ دَنِسًا، وَازْدَرَى بِرُوحِ النِّعْمَةِ؟ فَإِنَّنَا نَعْرِفُ الَّذِي قَالَ: «لِيَ الانْتِقَامُ، أَنَا أُجَازِي، يَقُولُ الرَّبُّ». وَأَيْضًا: «الرَّبُّ يَدِينُ شَعْبَهُ». مُخِيفٌ هُوَ الْوُقُوعُ فِي يَدَيِ اللهِ الْحَيِّ! (عبرانيين ١٠: ٢٦-٣١)
[1] Matthew White, “Deaths by Mass Unpleasantness: Estimated Totals for the Entire 20th Century,” http://users.erols.com/mwhite28/warstat8.htm.
[2] Christopher J. H. Wright, The Mission of God: Unlocking the Bible’s Grand Narrative (Downers Grove, IL: InterVarsity, 2006), 433–34.
[3] Quoted in Henri Blocher, Original Sin: Illuminating the Riddle, New Studies in Biblical Theology 5 (Downers Grove, IL: InterVarsity, 1997), 61.
[4] Quoted in Harold G. Coward, The Perfectibility of Human Nature in Eastern and Western Thought (Albany, NY: State University of New York Press, 2008), 83.
[5] Jonathan Edwards, The Complete Works of Jonathan Edwards (Carlisle, PA, Banner of Truth, repr. 1995), 1: 145.
[6] Quoted in Blocher, Original Sin, 83–84.
[7] Herman Bavinck, Our Reasonable Faith (Grand Rapids, MI: Eerdmans, 1956), 221.
[8] John Murray, Collected Writings of John Murray: Lectures in Systematic Theology (Carlisle, PA, Banner of Truth, 1978), 2:69.
[9] Herman Bavinck, Reformed Dogmatics: Sin and Salvation in Christ (Grand Rapids, MI: Baker Academic, 2004), 3: 64–64.
[10] See Robert L. Reymond, A New Systematic Theology of the Christian Faith, 2nd ed. (Nashville, TN: Nelson, 1998), 436–39.
[11] إقرار إيمان هيئة “ائتلاف الإنجيل”.
[12] Bavinck, Our Reasonable Faith, 229.
[13] R. L. Dabney, Systematic Theology (Carlisle, PA: Banner of Truth, 1985), 323.
[14] Ibid., 313, 324.
[15] Bavinck, Our Reasonable Faith, 248.
[16] D. Martyn Lloyd-Jones, The Plight of Man and the Power of God (Ada, MI: Baker, 1982), 57.