تكوين ٣: ١–١٥
“١وَكَانَتِ الْحَيَّةُ أَحْيَلَ جَمِيعِ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ الَّتِي عَمِلَهَا الرَّبُّ الإِلهُ، فَقَالَتْ لِلْمَرْأَةِ: «أَحَقًّا قَالَ اللهُ لاَ تَأْكُلاَ مِنْ كُلِّ شَجَرِ الْجَنَّةِ؟» ٢فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ لِلْحَيَّةِ: «مِنْ ثَمَرِ شَجَرِ الْجَنَّةِ نَأْكُلُ، ٣وَأَمَّا ثَمَرُ الشَّجَرَةِ الَّتِي فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ فَقَالَ اللهُ: لاَ تَأْكُلاَ مِنْهُ وَلاَ تَمَسَّاهُ لِئَلاَّ تَمُوتَا». ٤فَقَالَتِ الْحَيَّةُ لِلْمَرْأَةِ: «لَنْ تَمُوتَا! ٥بَلِ اللهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ». ٦فَرَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّ الشَّجَرَةَ جَيِّدَةٌ لِلأَكْلِ، وَأَنَّهَا بَهِجَةٌ لِلْعُيُونِ، وَأَنَّ الشَّجَرَةَ شَهِيَّةٌ لِلنَّظَرِ. فَأَخَذَتْ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَكَلَتْ، وَأَعْطَتْ رَجُلَهَا أَيْضًا مَعَهَا فَأَكَلَ. ٧فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَلِمَا أَنَّهُمَا عُرْيَانَانِ. فَخَاطَا أَوْرَاقَ تِينٍ وَصَنَعَا لأَنْفُسِهِمَا مَآزِرَ.
٨وَسَمِعَا صَوْتَ الرَّبِّ الإِلهِ مَاشِيًا فِي الْجَنَّةِ عِنْدَ هُبُوبِ رِيحِ النَّهَارِ، فَاخْتَبَأَ آدَمُ وَامْرَأَتُهُ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ الإِلهِ فِي وَسَطِ شَجَرِ الْجَنَّةِ. ٩فَنَادَى الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَقَالَ لَهُ: «أَيْنَ أَنْتَ؟». ١٠فَقَالَ: «سَمِعْتُ صَوْتَكَ فِي الْجَنَّةِ فَخَشِيتُ، لأَنِّي عُرْيَانٌ فَاخْتَبَأْتُ». ١١فَقَالَ: «مَنْ أَعْلَمَكَ أَنَّكَ عُرْيَانٌ؟ هَلْ أَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ أَنْ لاَ تَأْكُلَ مِنْهَا؟» ١٢فَقَالَ آدَمُ: «الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ». ١٣فَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ لِلْمَرْأَةِ: «مَا هذَا الَّذِي فَعَلْتِ؟» فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: «الْحَيَّةُ غَرَّتْنِي فَأَكَلْتُ». ١٤فَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ لِلْحَيَّةِ: «لأَنَّكِ فَعَلْتِ هذَا، مَلْعُونَةٌ أَنْتِ مِنْ جَمِيعِ الْبَهَائِمِ وَمِنْ جَمِيعِ وُحُوشِ الْبَرِّيَّةِ. عَلَى بَطْنِكِ تَسْعَيْنَ وَتُرَابًا تَأْكُلِينَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكِ. ١٥وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ».”
عندما نأتي لسفر التكوين إصحاح ٣، يبدو كل شيء على ما يرام. تكوين ١: ٣١ يقول: “رَأَى اللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدًّا.” فالله لم يخلق أي شيء شرير. كان كل شيء حسن جدا.
ثم فجأة عند بداية الإصحاح الثالث، نجد هذه الحيّة. ومن الواضح إنها شريرة. فهي تشكك في كلمة الله. الآية ١ “أَحَقًّا قَالَ اللهُ لاَ تَأْكُلاَ مِنْ كُلِّ شَجَرِ الْجَنَّةِ؟” فهي ملتوية وخادعة ومدمرة. لقد قال الله في تكوين ٢: ١٧ “لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا [هذه الشجرة] مَوْتًا تَمُوتُ.” ولكن الحية قالت في الآية ٤ “لَنْ تَمُوتَا! ٥بَلِ اللهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرّ.” لذلك، يقول المسيح عنها في يوحنا ٨: ٤٤ أنه كذاب وقاتل أيضا. وأضاف “ذَاكَ كَانَ قَتَّالاً لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَقِّ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ. مَتَى تَكَلَّمَ بِالْكَذِبِ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ مِمَّا لَهُ، لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو الْكَذَّابِ.”
الشيطان، الحيّة القديمة:
من هي هذه الحيّة؟ نجد الإجابة على أكمل وجه في سفر الرؤيا ١٢: ٩ “فَطُرِحَ التِّنِّينُ الْعَظِيمُ، الْحَيَّةُ الْقَدِيمَةُ الْمَدْعُوُّ إبليس وَالشَّيْطَانَ، الَّذِي يُضِلُّ الْعَالَمَ كُلَّهُ، طُرِحَ إِلَى الأَرْضِ، وَطُرِحَتْ مَعَهُ مَلاَئِكَتُهُ.” فالحيّة التي كانت في الجنّة هي الشيطان (ويعني المفتري)، وإبليس (ويعني المشتكي)، ومخادع العالم كله. يدعوه يسوع “الشِّرِّيرُ” (متى ١٣: ١٩)، و”رَئِيسُ هذَا الْعَالَمِ” (يوحنا ١٢: ٣١؛ ١٤: ٣٠ ؛ ١٦: ١١). الفريسيون يطلقون عليه “بَعْلَزَبولَ رَئِيسِ الشَّيَاطِينِ” (متى ١٢: ٢٤). بولس يدعوه “إِلهُ هذَا الدَّهْرِ” (٢ كورنثوس ٤: ٤) و”رَئِيسِ سُلْطَانِ الْهَوَاءِ” (أفسس ٢: ٢).
هذا هو ما نجده في تكوين ٣. هو بالفعل شرير، بالفعل مضل، وبالفعل قاتل حين ظهر في جنة الله. في الآية 15، يتحدث الله إلى الحيّة ويعلن دينونته عليها: “أَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ” لاحظ أنه في البداية يبدو أن الحرب ستكون بين ذريتين: “بَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا.” ولكن في الكلمات التالية يقول شيئا مختلفا: “هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ.” عمّن يقصد بالضمير “هُوَ”؟ الإجابة: نسل المرأة. عمّن يعود ضمير الملكيّة في كلمة “رَأْسَكِ” (“هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ“)؟ الإجابة: الحيّة نفسها، وليس نسلها.
سحق الشيطان في الصليب:
سيأتي اليوم، يقول الله، عندما ستُهزم (ليس فقط نسلك) وتُزال من على وجه الأرض. سيسحقك نسل هذه المرأة (انظر رومية ١٦: ٢٠ وعبراينيين ٢: ١٤). أن الضربة الحاسمة قد وجّهت من نسل المرأة الكامل، يسوع المسيح، عندما مات على الصليب. هذا هو أحد الأسباب التي جعلت ابن الله الأزلي أن يصبح إنسانا، لأنه كان على نسل المرأة أن يسحق الشيطان.
تصف كولوسي ٢: ١٤-١٥ ما فعله الله لأولئك الذين يثقون بابنه، عندما مات على الصليب: “إِذْ مَحَا الصَّكَّ [سجل الديون التي كانت ضدنا] الَّذِي عَلَيْنَا فِي الْفَرَائِضِ، الَّذِي كَانَ ضِدًّا لَنَا، وَقَدْ رَفَعَهُ مِنَ الْوَسَطِ مُسَمِّرًا إِيَّاهُ بِالصَّلِيبِ، إِذْ جَرَّدَ الرِّيَاسَاتِ وَالسَّلاَطِينَ أَشْهَرَهُمْ جِهَارًا، ظَافِرًا بِهِمْ فِيهِ.” عندما مات المسيح من أجل خطايانا، جرّد وهزم الشيطان. وتم انتزاع سلاحه المدمر الأبدي من يده، وهو شكايته أمام الله بأننا مذنبون وينبغي أن نهلك معه. عندما مات المسيح أُلغيت هذه الشكاية. كل من يعهد نفسه للمسيح لن يهلك أبدا. فلا يمكن للشيطان أن يفصلهم عن محبة الله في المسيح (رومية ٨: ٣٧-٣٩).
تمرّد الشيطان:
السؤال الذي يصرخ طالبا الإجابة هو: من أين أتى الشيطان؟ ولماذا يجيز الله نشاطه القاتل؟ هو يظهر في سفر التكوين. بين الكمال الموصوف في تكوين ١: ٣١ (“فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدًّا”) وظهور الشر في تكوين ٣، حدث شيء ما. الخليقة الحسنة قد أُفسدت. رسالة يهوذا القصيرة وبطرس الثانية في العهد الجديد يقدموا لنا تلميحات على ما حدث. يهوذا ١: ٦ يقول: “وَالْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ لَمْ يَحْفَظُوا رِيَاسَتَهُمْ، بَلْ تَرَكُوا مَسْكَنَهُمْ حَفِظَهُمْ إِلَى دَيْنُونَةِ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ بِقُيُودٍ أَبَدِيَّةٍ تَحْتَ الظَّلاَمِ.” و٢ بطرس ٢: ٤ تقول: “اللهُ لَمْ يُشْفِقْ عَلَى مَلاَئِكَةٍ قَدْ أَخْطَأُوا، بَلْ فِي سَلاَسِلِ الظَّلاَمِ طَرَحَهُمْ فِي جَهَنَّمَ، وَسَلَّمَهُمْ مَحْرُوسِينَ لِلْقَضَاءِ.”
يبدو إذن أنه هناك مجموعة من الملائكة المقدسة. وبعض منهم، بما في ذلك الشيطان، “أَخْطَأُوا”، أو كما يقول يهوذا ١: ٦ “لَمْ يَحْفَظُوا رِيَاسَتَهُمْ.” وبعبارة أخرى، فإن الخطية كانت نوعا من التمرد. والرغبة في مزيد من القوة ومزيد من السلطة أكثر مما عُين لهم من قبل الله وتحت سيادة الله. فأصل الشيطان هو كونه ملاكا مخلوقا قد تمرّد، مع الملائكة أخرى، على الله، ورفضوه ملكا يجدوا فيه كفايتهم للفرح، ووضعوا لأنفسهم مسارا لتمجيد الذات وافترضوا القدرة على تقرير مصيرهم. لم يريدوا أن يكونوا مرؤوسين. لم يريدوا أن يُرسلوا من الله لخدمة الآخرين (عبرانيين ١: ١٤). بل أرادوا الحصول على السلطة على أنفسهم وأن يمجدوا أنفسهم فوق الله.
أصل خطية الشيطان:
لذلك نحن نسأل الآن مرة أخرى: لماذا؟ كيف يمكن أن يحدث هذا؟ لا توجد إجابة سهلة. في الواقع، فإن الجواب النهائي الكتابيّ يخلق المزيد من الأسئلة. لذا يبدو أنه في هذا الدهر، ونحن نعرف “بَعْضَ الْمَعْرِفَةِ” (١ كورنثوس ١٣: ١٢)، يجد بعض الناس العلاج في القول بأن الملائكة كان لديها إرادة حرة والله لم يمارس ما يكفي من النفوذ لابقائهم يعبدونه. ولكني لا أجد هذه الفكرة مفيدة. لأنها ببساطة لا تجيب على السؤال: لماذا يستخدم ملاكا مقدسا تماما، في الحضور البديع لله بلا حدود، إرادته الحرة كي يكره الله فجأة؟
توجّه فاشل:
فكرة أن الله كان عاجزا عن منع هذا التمرد، وأن الأمر يرجع لإرادة الملائكة البارة التي تقرر بالفطرة مصيرها الذاتي، ليست حلا للمشكلة. إنها لا تفسر لماذا تستخدم هذه الكائنات المقدسة تماما إرادتها لتحتقر من كانت تعبده منذ أن خُلقت. وهي لا تتناسب مع باقي ما يقوله الكتاب المقدس عن سيادة الله على الشيطان.
التوجّه الكتابي:
توجهي لإجابة السؤال عن كيفية التفكير في أصل خطية الشيطان هو قراءة الكتاب المقدس كله مع السؤال: كيف يتعامل الله مع إرادة الشيطان؟ هل الله عاجز أمام إرادة قوى الشر؟ هل هناك قوة خارج نفسه تحد من سيادته عليها؟ أو هل يُقدَّم الله في جميع أجزاء الكتاب المقدس بأن لديه الحق والقوة لكبح الشيطان في أي وقت يشاء؟ وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لا يدمّره مباشرة؟
لذلك عندما اقرأ الكتاب المقدس، هذا ما أجده. مجرد غيض من فيض سلطان الله وقوته.
سيادة الله المسيطرة على الشيطان:
١. على الرغم من أن الشيطان دُعي “رَئِيسُ هذَا الْعَالَمِ” (يوحنا ١٢: ٣١)، فإن دانيال ٤: ١٧ يقول: “الْعَلِيَّ مُتَسَلِّطٌ فِي مَمْلَكَةِ النَّاسِ، فَيُعْطِيهَا مَنْ يَشَاءُ.” ومزمور ٣٣: ١٠-١١ يقول: “الرَّبُّ أَبْطَلَ مُؤَامَرَةَ الأُمَمِ. لاَشَى أَفْكَارَ الشُّعُوبِ. أَمَّا مُؤَامَرَةُ الرَّبِّ فَإِلَى الأَبَدِ تَثْبُتُ. أَفْكَارُ قَلْبِهِ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ.” نعم إبليس هو “رَئِيسُ هذَا الْعَالَمِ” لكن الشخص المطلق الذي يملك السيادة الحاسمة هو الله.
٢. على الرغم من أن الأرواح النجسة في كل مكان تفعل أشياء خادعة وقاتلة، إلا أن يسوع المسيح لديه كل سلطان عليهم، ويقول مرقس ١: ٢٧ أنه “يَأْمُرُ حَتَّى الأَرْوَاحَ النَّجِسَةَ فَتُطِيعُهُ.” عندما يأمر المسيح الشيطان، الشيطان يطيع.
٣. الشيطان هو أسد زَائِر، يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ. يقول بطرس: “فَقَاوِمُوهُ، رَاسِخِينَ فِي الإِيمَانِ، عَالِمِينَ أَنَّ نَفْسَ هذِهِ الآلاَمِ تُجْرَى عَلَى إِخْوَتِكُمُ الَّذِينَ فِي الْعَالَمِ” (١ بطرس ٥: ٨-٩). وبعبارة أخرى، “الآلاَمِ” هو السبيل الذي من خلاله يحاول الشيطان أن يلتهم القديسين. ولكن بطرس يقول في ١ بطرس ٣: ١٧ “لأَنَّ تَأَلُّمَكُمْ إِنْ شَاءَتْ مَشِيئَةُ اللهِ، وَأَنْتُمْ صَانِعُونَ خَيْرًا، أَفْضَلُ مِنْهُ وَأَنْتُمْ صَانِعُونَ شَرًّا.” إِنْ شَاءَتْ مَشِيئَةُ اللهِ. هذه الآلاَمِ، حين تُفتح وتُغلق فكي الأسد الذي يجول خِلسة، هي فقط بحسب مشيئة الله.
٤. قال يسوع: نعم، إبليس قاتل منذ البدء (يوحنا ٨: ٤٤). لكنه هل أخذ هبة الحياة من يد من أعطاها؟ لا. تثنية ٣٢: ٣٩ تقول: “اُنْظُرُوا الآنَ! أَنَا أَنَا هُوَ وَلَيْسَ إِلهٌ مَعِي. أَنَا أُمِيتُ وَأُحْيِي. سَحَقْتُ، وَإِنِّي أَشْفِي، وَلَيْسَ مِنْ يَدِي مُخَلِّصٌ.” ويقول يعقوب في يعقوب ٤: ١٥ “إِنْ شَاءَ الرَّبُّ وَعِشْنَا نَفْعَلُ هذَا أَوْ ذَاكَ.” ليس إن شاء إبليس وعشنا نفعل هذا أو ذاك. الرب يعطي والرب يأخذ. فليكن اسم الرب مباركا (أيوب ١: ٢١).
٥. عندما قصد الشيطان أن يدمّر أيوب ويثبت أن الله ليس كنزه، كان لا بد له من الحصول على إذن من الله قبل أن يهجم على ممتلكاته ليدمرها وقبل أن يهجم على جسده بالمرض. في أيوب ١: ١٢، يقول الله: “هُوَذَا كُلُّ مَا لَهُ فِي يَدِكَ، وَإِنَّمَا إِلَيهِ لاَ تَمُدَّ يَدَكَ.” لديك إذن مني للهجوم، لكنك لن تتجاوز الحدود التي وضعتها.
٦. إبليس هو مجرب كبير. إنه يريد منا أن نخطيء. لوقا يخبرنا بأن إبليس كان وراء إنكار بطرس للمسيح ثلاثة مرات. لقد جرّبه لكي ينكر يسوع. ولكن كان يمكنه أن يفعل ذلك بدون إذن الله؟ استمع إلى ما يقول يسوع لسمعان بطرس في لوقا ٢٢: ٣١-٣٢ “سِمْعَانُ، سِمْعَانُ، هُوَذَا الشَّيْطَانُ طَلَبَكُمْ لِكَيْ يُغَرْبِلَكُمْ كَالْحِنْطَةِ! وَلكِنِّي طَلَبْتُ مِنْ أَجْلِكَ لِكَيْ لاَ يَفْنَى إِيمَانُكَ. وَأَنْتَ مَتَى رَجَعْتَ ثَبِّتْ إِخْوَتَكَ.”
لم يكن ممكنا لإبليس أن يفعل ما يرغب مع بطرس دون إذن من الله. وعندما أخذ الإذن، تماما مثل قصة أيوب، وضع الله له حدودا لا يتخطّاها “لن تدمّر بطرس. وإنما فقط تجعله يتعثّر هذه الليلة.” وهذا هو السبب لما يقوله المسيح: “أَنْتَ مَتَى رَجَعْتَ [ليس إن رجعت] ثَبِّتْ إِخْوَتَكَ.” يسوع، وليس إبليس، له اليد العليا هنا. ومسموح لإبليس أن يذهب إلى حيث الحدود التي وضعها الله، وليس أبعد من ذلك.
٧. يقول بولس في ٢ كورنثوس ٤: ٤ أن “إِلهُ هذَا الدَّهْرِ قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ.” ولكن هل هذه القوة التي تعمي الناس قوة غير محدودة؟ هل يمكم لله التغلب عليها ومقاومتها وإبطالها؟ نعم، يمكنه ذلك. في الآيتين اللاحقتين يقول بولس: “لأَنَّ اللهَ الَّذِي قَالَ: «أَنْ يُشْرِقَ نُورٌ مِنْ ظُلْمَةٍ» ، هُوَ الَّذِي أَشْرَقَ فِي قُلُوبِنَا، لإِنَارَةِ مَعْرِفَةِ مَجْدِ اللهِ فِي وَجْهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.” وبعبارة أخرى، تأثير تعمية إبليس يعطي طريقا لإنارة الله عندما يقول: “ليكن نور.”
يحكم الله كل خطوة لإبليس:
الآن نعود إلى السؤال حول منشأ خطية إبليس. هل الله عاجز أمام إرادة ملائكته الخاصة؟ هل هناك قوة خارج نفسه تحد من سيادته عليها؟ استنتاجي هو أنه من غلاف الكتاب المقدس إلى غلافه الأخر يُقدَّم الله كمتحكم في إبليس وأرواحه النجسة. له الحق والقدرة على كبح جماحهم في أي وقت يشاء.
وبالتالي أختتم بأن الله سمح سقوط إبليس، ليس لأنه كان عاجزا عن إقافه، ولكن لأن لديه هدف لذلك. ولأن الله لا يصادفه شيء، فأذوناته دائما ما تكون هادفة. إذا اختار أن يسمح بشيء، يفعل ذلك لسبب – وسبب حكيم بشكل لانهائي. كيف نشأت الخطية في قلب إبليس، نحن لا نعرف الإجابة. الله لم يخبرنا. ما نعرفه هو أن الله صاحب السيادة على إبليس، وبالتالي إرادة إبليس لا تتحرك من دون إذن الله. وبالتالي كل خطوة من إبليس هي جزء من هدف وخطة الله الشاملة. وهذ الأمر هو حق وبشكل ما وفي نفس الوقت الله لا يرتكب الخطية أبدا. فالله قدوس بلا حدود، والله قدير بلا حدود. إبليس هو الشرير، وإبليس هو تحت حكمة الله التي تتحكم في الكل.
لماذا لا يمحو الشيطان؟
لماذا، إذن، ببساطة لا يمحو الله إبليس؟ فله الحق والسلطة للقيام بذلك. ورؤيا ٢٠: ١٠ تقول إنه سيفعل ذلك يوما ما. لماذا لم يلقي به في بحيرة النار في يوم تمرده؟ لماذا يسمح له أن يثور بالانسانية لعدة قرون؟
الجواب النهائي، كما رأينا الأسبوع الماضي، أن “الكل خُلق بالمسيح وللمسيح” (كولوسي ١: ١٦). وسوف ينال ابن الله، يسوع المسيح، إكراما أكثر في نهاية المطاف لأنه سيهزم الشيطان من خلال الصبر وطول الأناة، والتواضع، والخدمة، والألم والموت، وليس عن طريق القوة الغاشمة. وكلما ازداد إكرام الابن أكثر، كلما عظمت فرحة أولئك الذين يحبونه.
لملء مجد المسيح:
يصل مجد المسيح لذروته في ذبيحة الطاعة على الصليب حيث انتصر يسوع على الشيطان (كولوسي ٢: ١٥). قال المسيح: “الآنَ [في الساعة الأخيرة] تَمَجَّدَ ابْنُ الإِنْسَانِ وَتَمَجَّدَ اللهُ فِيهِ.” (يوحنا ١٣: ٣١). وقال بولس: “نَحْنُ نَكْرِزُ بِالْمَسِيحِ مَصْلُوبًا… قُوَّةِ اللهِ وَحِكْمَةِ اللهِ.” (١ كورنثوس ١: ٢٣-٢٤). قال المسيح لبولس عن شوكة إبليس التي في جنب بولس “تَكْفِيك نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضَّعْفِ تُكْمَلُ” (٢ كورنثوس ١٢: ٩). إبليس، وكل ألمه، يخدم في النهاية إلى تضخيم قوة وحكمة ومحبة ونعمة ورحمة وصبر وغضب يسوع المسيح. لم نكن سنعرف عنه في ملء مجده لو لم يهزم الشيطان بالطريق التي فعلها.
كيف نتعامل مع الشر:
لذلك أختم بالسؤال العاجل والعملي: فكيف ينبغي لنا أن نتعامل مع الشر؟ فكيف ينبغي لنا التفكير والشعور والتصرف جهة قوى الشر الشيطانية – وفاة زاك الصغير في الهجوم الذي وقع في حفرة الثور؟ وفاة ثلاثة أخرين من عمال المناجم في محاولة لانقاذ رفاقهم؟ خمس مئة قتيل في زلزال بيرو؟ الشر الذي تواجهونه في حياتكم الخاصة؟ جوابي هنا هو ملخص. هناك ثمانية أشياء يجب أن تقوم بها مع الشر. وأربعة أشياء لا تقوم بها أبدا.
توقّع الشر. “لاَ تَسْتَغْرِبُوا الْبَلْوَى الْمُحْرِقَةَ الَّتِي بَيْنَكُمْ حَادِثَةٌ، لأَجْلِ امْتِحَانِكُمْ، كَأَنَّهُ أَصَابَكُمْ أَمْرٌ غَرِيبٌ” (١ بطرس ٤: ١٢).
تحمّل الشر. “الْمَحَبَّةُ تَحْتَمِلُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتُصَدِّقُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتَرْجُو كُلَّ شَيْءٍ، وَتَصْبِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ” (١ كورنثوس ١٣: ٧؛ راجع مرقس ١٣: ١٣).
قدّم الشكر للتأثير النقي للشر الذي يأتي ضدك. “شَاكِرِينَ كُلَّ حِينٍ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فِي اسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، للهِ وَالآبِ ” (افسس ٥: ٢٠؛ راجع ١ تسالونيكي ٥: ١٨؛ رومية ٥ :٣-٥).
أكره الشر. “اَلْمَحَبَّةُ فَلْتَكُنْ بِلاَ رِيَاءٍ. كُونُوا كَارِهِينَ الشَّرَّ، مُلْتَصِقِينَ بِالْخَيْرِ. ” (رومية ١٢: ٩).
صلي من أجل الهروب من الشر. “وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ” (متى ٦: ١٣).
وبّخ الشر. “وَلاَ تَشْتَرِكُوا فِي أَعْمَالِ الظُّلْمَةِ غَيْرِ الْمُثْمِرَةِ بَلْ بِالْحَرِيِّ وَبِّخُوهَا” (افسس ٥: ١١).
تغلّب على الشر بالخير. “لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ” (رومية ١٢: ٢١).
قاوم الشر. “قَاوِمُوا إِبْلِيسَ فَيَهْرُبَ مِنْكُمْ” (يعقوب ٤: ٧).
ولكن، من ناحية أخرى:
لا تيأس أبدا وتظن أن هذا العالم الشرير هو خارج سيطرة الله. “[هو] يَعْمَلُ كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ رَأْيِ مَشِيئَتِهِ” (أفسس ١: ١١).
لا تستسلم للشعور بأن الحياة بسبب الشر العشوائي هي عبثيّة وبلا معنى. “مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ الاسْتِقْصَاءِ! … لأَنَّ مِنْهُ وَبِهِ وَلَهُ كُلَّ الأَشْيَاءِ. لَهُ الْمَجْدُ إِلَى الأَبَدِ” (رومية ١١: ٣٣، ٣٦).
لا تستسلم أبدا لفكرة أن الله يخطيء، أو أنه غير عادل على الإطلاق أو غير بار في الطريقة التي يحكم بها الكون. “الرَّبُّ بَارٌّ فِي كُلِّ طُرُقِهِ، وَرَحِيمٌ فِي كُلِّ أَعْمَالِهِ” (مزمور ١٤٥: ١٧).
لا تشك أبدا في أن الله هو لك تماما في المسيح. إذا كنت تثق به في حياتك، فأنت في المسيح. لا تشك أبدا أن كل الشر الذي يصيبك، حتى لو أنه أخذ حياتك، هو التأديب المحب، والمنقّي، والمخلص، والأبوي لله. إنه ليس تعبيرا عن عقوبته في غضب. فهذا جاء على يسوع المسيح بديلا عنا. “لأَنَّ الَّذِي يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ، وَيَجْلِدُ كُلَّ ابْنٍ يَقْبَلُهُ” (عبرانيين ١٢: ٦).
عندما ننبذ مخططات إبليس ونثق في قوة وحكمة وصلاح الله في المسيح، نحقق هدف الله في السماح لإبليس أن يحيا. نمجد القيمة العليا واللانهائيّة للمسيح.