بينما نأتي إلى نهاية سلسلتنا في سفر راعوث، فإن السؤال الرئيسي الذي ينبغي أن نسأله هو، ما هو الدرس المستفاد من هذا السفر؟ وما هو الشيء الرئيسي الذي يرد الكاتب منا أن نتعلمه من قراءة هذه القصة؟
درس سفر راعوث:
هذا ما أود أن أقترحه أنه الدرس الرئيسي: حياة التقوى ليست خط مستقيم إلى المجد، لكنها تصل إلى هناك. ان حياة التقوى ليست طريقا سريعا من خلال ولاية نبراسكا، ولكنها طريق جانبي من خلال جبال بلو ريدج في ولاية تينيسي. فهناك صخور تنزلق ومنحدرات وسحب داكنة ودببة ومنحنيات ومنعطفات زلقة قاسيّة تعوق تقدّمك إلى الأمام وتبدو انها تدفعك الى خلف. ولكن على طول هذا الطريق الجبلي الملتوي والمنطو على المخاطر، توجد علامات بعيدة امامك ومتكررة، قد لاتراها احيانا، مكتوب عليها بيد لاتخطئ عبارة “إن الأفضل لم يأت بعد – حي أنا، يقول الرب!”
إن سفر راعوث هو أحد تلك العلامات لتقرأها. قد كُتب وتم الوعظ به لكي يعطيك بعض التشجيع في طريق الايمان، ونأمل ألا تكون كل الحيرة التي جاءت على حياتك في الآونة الأخيرة طرق مسدودة. ففي كل انتكاسات حياتك كمؤمن يعمل الله من خلالها لفرحك.
انتكاسات، رجاء، واستراتيجيات البر:
إن قصة راعوث هي عبارة عن سلسلة من الانتكاسات. ففي إصحاح ١ أُجبرت نعمي وزوجها وابنيها على مغادرة وطنهم في يهوذا بسبب المجاعة. ثم مات زوج نعمي. تزوج ابنيها من امرأتين موآبيتين ولمدة عشر سنوات تبيّن أنهم عاقرين. ثم مات أولادها تاركين أرملتين في بيت نعمي. وعلى الرغم من التصاق راعوث بنعمي، ينتهي إصحاح ١ بشكوى نعمي المرّة: “إِنِّي ذَهَبْتُ مُمْتَلِئَةً وَأَرْجَعَنِيَ الرَّبُّ فَارِغَةً… الْقَدِيرُ قَدْ كَسَّرَنِي؟”
في إصحاح ١ امتلأت نعمي برجاءٍ جديد لأن بوعز ظهر على الساحة كزوج محتمل لراعوث. لكنه لا يتقدّم للزواج من راعوث. لا يأخذ أي خطوات تجاه الأمر. على الأقل هذه ما يبدو للوهلة الأولى. لذلك يختتم الإصحاح بوفرة من الرجاء المثير، ولكن أيضا بتشويق كبير وعدم يقين حول كيفية سير الأمور في مسعاها.
في إصحاح 3 أتخذت نعمي وراعوث خطوة محفوفة بالمخاطر في منتصف الليل. ذهبت راعوث إلى بوعز في البيدر وقالت: “أنا أريد منك أن تبسط جناحيك عليّ كزوجٍ لي”. ولكن بمجرد ما يبدو أنه تم حل مأساة ترمّل راعوث بقصة حب جميلة، تساقطت صخرة بلو ريدج الكبيرة على طريق حياة راعوث. فهناك رجل آخر، وفقا للعادات العبرية له الحق الأول في المطالبة بالزواج من راعوث. فلن يمضي بوعز الأمين في الأمر دون أن يعطي هذا الرجل فرصته المشروعة. حتى ينتهي إصحاح ٣ مرة أخرى بتشويق لانتكاسة أخرى.
(إصحاح ٤:
1فَصَعِدَ بُوعَزُ إِلَى الْبَابِ وَجَلَسَ هُنَاكَ. وَإِذَا بِالْوَلِيِّ الَّذِي تَكَلَّمَ عَنْهُ بُوعَزُ عَابِرٌ. فَقَالَ: «مِلْ وَاجْلِسْ هُنَا أَنْتَ يَا فُلاَنُ الْفُلاَنِيُّ». فَمَالَ وَجَلَسَ. 2ثُمَّ أَخَذَ عَشَرَةَ رِجَال مِنْ شُيُوخِ الْمَدِينَةِ وَقَالَ لَهُمُ: «اجْلِسُوا هُنَا». فَجَلَسُوا. 3ثُمَّ قَالَ لِلْوَلِيِّ: «إِنَّ نُعْمِيَ الَّتِي رَجَعَتْ مِنْ بِلاَدِ مُوآبَ تَبِيعُ قِطْعَةَ الْحَقْلِ الَّتِي لأَخِينَا أَلِيمَالِكَ. 4فَقُلْتُ إِنِّي أُخْبِرُكَ قَائِلاً: اشْتَرِ قُدَّامَ الْجَالِسِينَ وَقُدَّامَ شُيُوخِ شَعْبِي. فَإِنْ كُنْتَ تَفُكُّ فَفُكَّ. وَإِنْ كُنْتَ لاَ تَفُكُّ فَأَخْبِرْنِي لأَعْلَمَ. لأَنَّهُ لَيْسَ غَيْرُكَ يَفُكُّ وَأَنَا بَعْدَكَ». فَقَالَ: «إِنِّي أَفُكُّ». 5فَقَالَ بُوعَزُ: «يَوْمَ تَشْتَرِي الْحَقْلَ مِنْ يَدِ نُعْمِي تَشْتَرِي أَيْضًا مِنْ يَدِ رَاعُوثَ الْمُوآبِيَّةِ امْرَأَةِ الْمَيِّتِ لِتُقِيمَ اسْمَ الْمَيِّتِ عَلَى مِيرَاثِهِ». 6فَقَالَ الْوَلِيُّ: «لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَفُكَّ لِنَفْسِي لِئَلاَّ أُفْسِدَ مِيرَاثِي. فَفُكَّ أَنْتَ لِنَفْسِكَ فِكَاكِي لأَنِّي لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَفُكَّ». 7وَهذِهِ هِيَ الْعَادَةُ سَابِقًا فِي إِسْرَائِيلَ فِي أَمْرِ الْفِكَاكِ وَالْمُبَادَلَةِ، لأَجْلِ إِثْبَاتِ كُلِّ أَمْرٍ. يَخْلَعُ الرَّجُلُ نَعْلَهُ وَيُعْطِيهِ لِصَاحِبِهِ. فَهذِهِ هِيَ الْعَادَةُ فِي إِسْرَائِيلَ. 8فَقَالَ الْوَلِيُّ لِبُوعَزَ: «اشْتَرِ لِنَفْسِكَ». وَخَلَعَ نَعْلَهُ.
٩فَقَالَ بُوعَزُ لِلشُّيُوخِ وَلِجَمِيعِ الشَّعْبِ: «أَنْتُمْ شُهُودٌ الْيَوْمَ أَنِّي قَدِ اشْتَرَيْتُ كُلَّ مَا لأَلِيمَالِكَ وَكُلَّ مَا لِكِلْيُونَ وَمَحْلُونَ مِنْ يَدِ نُعْمِي. ١٠وَكَذَا رَاعُوثُ الْمُوآبِيَّةُ امْرَأَةُ مَحْلُونَ قَدِ اشْتَرَيْتُهَا لِيَ امْرَأَةً، لأُقِيمَ اسْمَ الْمَيِّتِ عَلَى مِيرَاثِهِ وَلاَ يَنْقَرِضُ اسْمُ الْمَيِّتِ مِنْ بَيْنِ إِخْوَتِهِ وَمِنْ بَابِ مَكَانِهِ. أَنْتُمْ شُهُودٌ الْيَوْمَ». ١١فَقَالَ جَمِيعُ الشَّعْبِ الَّذِينَ فِي الْبَابِ وَالشُّيُوخُ: «نَحْنُ شُهُودٌ. فَلْيَجْعَلِ الرَّبُّ الْمَرْأَةَ الدَّاخِلَةَ إِلَى بَيْتِكَ كَرَاحِيلَ وَكَلَيْئَةَ اللَّتَيْنِ بَنَتَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ. فَاصْنَعْ بِبَأْسٍ فِي أَفْرَاتَةَ وَكُنْ ذَا اسْمٍ فِي بَيْتِ لَحْمٍ. ١٢وَلْيَكُنْ بَيْتُكَ كَبَيْتِ فَارَصَ الَّذِي وَلَدَتْهُ ثَامَارُ لِيَهُوذَا، مِنَ النَّسْلِ الَّذِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ مِنْ هذِهِ الْفَتَاةِ».
١٣فَأَخَذَ بُوعَزُ رَاعُوثَ امْرَأَةً وَدَخَلَ عَلَيْهَا، فَأَعْطَاهَا الرَّبُّ حَبَلاً فَوَلَدَتِ ابْنًا. ١٤فَقَالَتِ النِّسَاءُ لِنُعْمِي: «مُبَارَكٌ الرَّبُّ الَّذِي لَمْ يُعْدِمْكِ وَلِيًّا الْيَوْمَ لِكَيْ يُدْعَى اسْمُهُ فِي إِسْرَائِيلَ. ١٥وَيَكُونُ لَكِ لإِرْجَاعِ نَفْسٍ وَإِعَالَةِ شَيْبَتِكِ. لأَنَّ كَنَّتَكِ الَّتِي أَحَبَّتْكِ قَدْ وَلَدَتْهُ، وَهِيَ خَيْرٌ لَكِ مِنْ سَبْعَةِ بَنِينَ». ١٦فَأَخَذَتْ نُعْمِي الْوَلَدَ وَوَضَعَتْهُ فِي حِضْنِهَا وَصَارَتْ لَهُ مُرَبِّيَةً. ١٧وَسَمَّتْهُ الْجَارَاتُ اسْمًا قَائِلاَتٍ: «قَدْ وُلِدَ ابْنٌ لِنُعْمِي» وَدَعَوْنَ اسْمَهُ عُوبِيدَ. هُوَ أَبُو يَسَّى أَبِي دَاوُدَ.
١٨وَهذِهِ مَوَالِيدُ فَارَصَ: فَارَصُ وَلَدَ حَصْرُونَ، ١٩وَحَصْرُونُ وَلَدَ رَامَ، وَرَامُ وَلَدَ عَمِّينَادَابَ، ٢٠وَعَمِّينَادَابُ وَلَدَ نَحْشُونَ، وَنَحْشُونُ وَلَدَ سَلْمُونَ، ٢١وَسَلْمُونُ وَلَدَ بُوعَزَ، وَبُوعَزُ وَلَدَ عُوبِيدَ، ٢٢وَعُوبِيدُ وَلَدَ يَسَّى، وَيَسَّى وَلَدَ دَاوُدَ.
مزيد من الانتكاسات في الطريق إلى المجد:
بعد موعد منتصف الليل في إصحاح 3، ذهب بوعز إلى باب المدينة حيث تم الانتهاء من العمل الرسمي. ومرّ الولي الأقرب، ووضع بوعز الأمر أمامه. قررت نعمي أن تتخلى عن ملكيتها الصغيرة، وواجب الولي الأقرب هو شراءه بحيث يبقى الإرث في الأسرة. ولانزعاجنا يقول الولي في نهاية الآية 4 “إِنِّي أَفُكُّ”. نحن لا نريده أن يفك. بل نريد بوعز أن يقوم بذلك. ذلك يبدو مرة أخرى أن هناك انتكاسة. ومفارقة هذه الانتكاسة هي أنها تمت بسبب البر. الشخص لا يفعل سوى واجبه. أحيانا تغلق جميع الطرق السريعة حتى بلو ريدج، ليس بالصخور أو الدببة، ولكن بعمّال صالحين مجرد يقومون بواجبهم. فمشاعر الإحباط لدينا ليست ناجمة فقط عن الخطية ولكن أيضا (ظاهريا) عن طريق سوء توقيت البر.
بمجرد ما إننا على وشك أن نقول “لا! أقف القصة! لا تدع هذا الشخص يأخذ راعوث!” قال بوعز للولي الأقرب “عليك أن تعلم أن نعمي لديها كنّة، لذلك فعندما تقوم بواجب فكاك الولي، يجب أن تأخذها أيضا كزوجة لك لتقيم نسلا لاسم محلون زوجها؟” ثم، ولتخفيف عبء كبير علينا، قال الولي في الآية ٦ أنه لا يستطيع أن يفعل ذلك. ربما كان متزوجا بالفعل. أيا كان السبب، فنحن نهتف في المؤخرة لأن بوعز خرج من عنق الزجاجة في بلو ريدج وانطلق إلى وليمة العرس مع راعوث الشابة الجميلة بين ذراعه.
ولكن هناك سحابة فوقهم. فراعوث عقيمة. أو على الأقل تبدو كذلك. ففي ١: ٤ قيل لنا إنها كانت متزوجة منذ عشر سنوات إلى محلون ولا يوجد أطفال. فحتى الآن التشويق لم ينته بعد. هل يمكنك أن ترى لماذا قلت أن الدرس المستفاد من سفر راعوث هو أن حياة التقوى ليس خط مستقيم إلى المجد؟ فالحياة هي منحنى تلو الآخر. ونحن لا نعرف ما هو قادم. لكن هدف القصة هو أن الأفضل لم يأت بعد. لا يهم أين أنت، إذا كنت تحب الله، فالأفضل لم يأت بعد.
لماذا التركيز على نعمي؟
السحابة التي على رأس راعوث وبوعز ضخمة بالرحمة، وانكسرت ببركة على رؤوسهم في الآية ١٣. “فَأَخَذَ بُوعَزُ رَاعُوثَ امْرَأَةً وَدَخَلَ عَلَيْهَا، فَأَعْطَاهَا الرَّبُّ حَبَلاً فَوَلَدَتِ ابْنًا”. ولكن لاحظ كيف أن التركيز في الآيات ١٤-١٧ ليس على راعوث مطلقا، ولا على بوعز. بل التركيز على نعمي والطفل. لماذا؟
كان لدينا شخص قذر أتى إلى مكتب الكنيسة قبل بضع سنوات يبحث عن مساعدة. سألته عن اسمه، وقال: “Hardtimes (أوقات عصيبة)، هذا هو اسمي، Hardtimes”. كذلك كان اسم نعمي في بداية السفر Hardtimes. . . Hardtimes نعمي. هذه كانت الطريقة التي أراد منا كاتب هذا السفر أن نتقابل معها. لأن الهدف السفر هو أن حياة التقوى ليست خط مستقيم إلى المجد، لكنها تصل إلى هناك. بدأت القصة بخسارة نعمي. وأنتهت بربح نعمي. بدأت بموت وأنتهت بولادة. ابنا، لمن؟ الآية ١٧ هي الغاية الكبرى لطريق نعمي الطويل والملتوي. “وَسَمَّتْهُ الْجَارَاتُ اسْمًا قَائِلاَتٍ: «قَدْ وُلِدَ ابْنٌ لِنُعْمِي»” ليس لراعوث! ولكن لنعمي! لماذا؟ ليبين أن ما قالته نعمي ليس صحيحا في ١: ٢١، أن الرب أرجعها فارغة من موآب. وإذا تمكنا من تعلّم الانتظار فقط والثقة في الله، فسيتضح أن كل شكوانا ضد الله غير صحيحة.
علامات على الطريق للعمل الكريم لله في الانتكاسات المريرة:
لقد كُتب سفر راعوث لمساعدتنا على رؤية معالم نعمة الله في حياتنا، ومساعدتنا على الثقة في نعمته حتى عندما تكون الغيوم كثيفة بحيث لا نستطيع أن نرى الطريق، ناهيك عن العلامات على جانب الطريق. دعونا نعود ونذكّر أنفسنا أن الله هو الذي عمل على تحويل كل نكسة إلى نقطة انطلاق نحو الفرح، وأنه هو الله في جميع تدابيرنا المرّة الذي يعمل من أجل خيرنا.
هدية راعوث:
أولا، عندما بدت حياة نعمي بالكامل كأنها تدمرت أثناء وجودها في موآب، قدّم الله راعوث لنعمي. نعرف ذلك من آيتين. في ١: ١٦ نعلم أنه في أساس التزام راعوث لنعمي هو التزام راعوث لإله نعمي: “إِلهُكِ إِلهِي”. وربح الله ولاء راعوث في موآب، ولذا فكان الفضل يرجع لله على المحبة المدهشة التي وجدتها نعمي في كنتها. أيضا في ٢: ١٢ يقول أنه عندما جاءت راعوث إلى يهوذا مع نعمي، كانت قادمة للاحتماء تحت جناحي الله. ولذلك يرجع الفضل لله أن راعوث غادرت منزلها وأسرتها لمتابعة وخدمة نعمي. فدائما كان يحوّل الله انتكاسة نعمي إلى فرح حتى عندما كانت غافلة عن نعمته.
إبقاء بوعز:
ثانيا، أعطت نعمي انطباعا في إصحاح 1 أنه لا يوجد أمل أن تتزوج راعوث وتنجب أولادا لاستمرار نسل الأسرة (١: ١٢). في حين أن الله كان يُبقي على رجل ثري وتقي يدعى بوعز لكي يفعل ذلك. والسبب أننا نعرف أنه كان عمل الله هو اعتراف نعمي نفسها في ٢: ٢٠. فهي تدرك أن وراء اجتماع راعوث وبوعز “بالصدفة” كان صلاح الله “لأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكِ الْمَعْرُوفَ مَعَ الأَحْيَاءِ وَالْمَوْتَى.” ففي كل خسارة يتحملها الأتقياء يخطط الله بالفعل لتحقيق ربح لهم.
فتح رحم راعوث:
ثالثا، من الذي أعطى لرحم راعوث العقيم طفلا بحيث تمكنت الجارات من القول: “قَدْ وُلِدَ ابْنٌ لِنُعْمِي”؟ لقد أعطى الله الطفل. انظر إلى ٤: ١١. صلي شعب المدينة لأجل بوعز وراعوث. كانوا يعرفون أن راعوث كانت متزوجة لمدة عشر سنوات دون طفل. لذلك تذكروا راحيل الذي فتح الرب رحمها قبل فترة طويلة. وصلوا أن يجعل الله راعوث مثل ليئة وراحيل. وهكذا يوضّح الكاتب تماما في الآية ١٣ من وراء الحبل بهذا الطفل. “فَأَخَذَ بُوعَزُ رَاعُوثَ امْرَأَةً وَدَخَلَ عَلَيْهَا، فَأَعْطَاهَا الرَّبُّ حَبَلاً فَوَلَدَتِ ابْنًا”.
ذلك فمرة تلو الأخرى كان الله يعمل في الانتكاسات المرّة لنعمي في هذا السفر. عندما فقدت زوجها وأبنائها أعطاها الله راعوث. عندما لم تستطع أن تفكر في أي قريب ليقيم نسلا لاسم الأسرة أعطاها الله بوعز. عندما تزوجت راعوث العاقر ببوعز أعطى الله الطفل. فهدف القصة واضح في حياة نعمي. حياة التقوى ليست خط مستقيم إلى المجد، ولكن الله يضمن لهم الوصول لهناك.
هل “المجد” كلمة قوية للغاية؟
ربما تعتقد أن كلمة المجد مُبالغ فيها قليلا. ففي النهاية هو مجرد طفل. جدّة تحمل طفلا صغيرا بعد حياة طويلة وعصيبة من انكسار القلب الشديد والحزن. نعم، لكن هذه ليست نهاية القصة.
رفع أعيننا إلى الغابات والثلوج الأبديّة:
في عام ١٩١٢ قدّم جون هنري جويت، وكان راعيا للكنيسة المشيخيّة الخامسة في مدينة نيويورك، محاضرات في جامعة ييل عن الوعظ. هناك نصا في واحدة من محاضراته يصف الوعظ العظيم ويعطينا رؤية لما كان يقصده كاتب سفر راعوث عندما أنهى قصته.
يصف جويت الواعظ العظيم كمن
يبدو وكأنه ينظر إلى الأفق، وليس في حقلة مغلقة، أو إلى منظر طبيعيّ محلي. لديه وسيلة رائعة لربط كل موضوع بالأزليّة والأبديّة. . . الأمر يبدو وكأنك تنظر إلى قطعة من الخشب المنحوت في نافذة قرية سويسريّة، ثم ترفع عينيك وتنظر إلى الغابة حيث ينمو الخشب، وأعلى من ذلك حيث الثلوج الأبدية! نعم، كانت هذه هي طريقة بيني، وطريقة دايل، وطريقة بشنل، ونيومان، وسبرجين لأنهم كانوا دائما على استعداد للتوقّف عند نافذة القرية، لكنهم دائما كانوا يربطون بين الشوارع والمرتفعات، ويبعثون بنفوسكم للتجوّل عبر تلال الله الأبدية. (الواعظ : حياته وعمله، ص. ٩٥)
لو كانت قصة سفر راعوث انتهت فقط في قرية صغيرة يهوديّة مع الجدّة المسنة وهي تعانق حفيدها الجديد، سوف تكون كلمة مجد كبيرة جدا. لكن الكاتب لا يختم القصة بهذا الشكل. بل رفع عينيه إلى غابات وجبال الثلوج لتاريخ الفداء. في الآية ١٧ يقول ببساطة شديدة أن هذا الطفل كان عوبيد والد يسى ويسى والد داود. فبشكل مفاجئ ندرك أنه طوال القصة كان هناك أمرا على مقربة أعظم جدا مما نستطيع تخيله. فالله لم يكن يعمل فقط لأجل بركة وقتيّة لعدد قليل من اليهود في بيت لحم. بل كان يُعد لمجيء أعظم ملك لإسرائيل، أي داود. واسم داود يحمل معه الرجاء في المسيا، والعصر الجديد، والسلام، والبر، والحرية من الألم والبكاء والحزن والشعور بالذنب. إن هذه القصة البسيطة والصغيرة تتدفق مثل تيار إلى نهر كبير من الأمل.
مرض التفاهة:
واحد من الأمراض العظيمة في عصرنا هو التفاهة. فالأشياء التي يقضي معظم الناس معظم وقتهم معها هي تافهة تماما. وما يجعل هذا الأمر مرضا هو أنه نحن الذين خُلقنا على صورة الله كان من المفترض أن نعيش لأسباب عظيمة. لا أحد منا راضي حقا بالمساعي التافهة للعالم. ولن تشبع نفوسنا بأشياء تافهة. لماذا يوجد باب كامل في الصحف مخصصا للرياضة، ولا شيء تقريبا مخصصا لأعظم قصة في الكون، أي نمو وانتشار كنيسة يسوع المسيح؟ فمن الجنون، جنون محض، أن ألعابا تافهة ينبغي أن تحتل مثل هذا الدور المركزيّ في ثقافتنا. إنها ببساطة واحدة من المؤشرات الكثيرة أننا استُعبدنا للتفاهات. كأننا نعيش في متجر قرية سويسريّة محدّقين النظر في التماثيل الخشبيّة، ونادرا ما نرفع أعيننا إلى الغابات والثلوج الأبديّة. إننا نعيش في صراع دائم وميؤوس منه لإشباع رغباتنا بالتفاهات. لذا تذبل نفوسنا. وحياتنا أصبحت تافهة. وقدرتنا على عبادة عظيمة ماتت.
العمل المجيد لله في التاريخ:
يريد سفر راعوث أن يعلمنا أن قصد الله لحياة شعبه هو أن يربطنا بشيئا أكبر بكثير من أنفسنا. الله يريدنا أن نعرف أنه عندما نتبعه، فحياتنا دائما تعني أكثر مما نظن. فللشخص المسيحي هناك دائما علاقة بين أحداث الحياة العاديّة والعمل الهائل لله في التاريخ. كل ما نقوم به في طاعة الله، مهما كان صغيرا، هو كبيرا. إنه جزء من الفسيفساء الكونيّة التي يرسمها الله ليعرض عظمة قوته وحكمته للعالم وللرؤساء والسلاطين في السماويّات (أفسس ٣: ١٠). فالشبع العميق للحياة المسيحيّة هو أنها ألا تستسلم للتفاهات. خدمة حماة أرملة، والالتقاط في الحقل، والوقوع في الحب، وإنجاب طفل، بالنسبة للشخص المسيحيّ كل هذه الأشياء ترتبط بالأبديّة. إنها جزء من شيء أكبر بكثير مما يبدو.
لذا فكلمة مجد ليست قوية جدا. حياة التقوى ليست خط مستقيم إلى المجد، لكنها تصل لهناك، الله يصل بها لهناك. هناك رجاء لنا خلف الطفل الطيف والجدة السعيدة. إن لم يكن هناك رجاء، سنكون أشقى جميع الناس. فالقصة تشير إلى الأمام لداود. وداود يشير إلى الأمام للمسيح. والمسيح يشير إلى الأمام لقيامة أجسادنا المائتة (رومية ٨: ٢٣) عندما “الْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ، وَلاَ يَكُونُ حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ، لأَنَّ الأُمُورَ الأُولَى قَدْ مَضَتْ” (رؤيا ٢١: ٤).
الأفضل لم يأت بعد. هذه هي الحقيقة التي لا تتزعزع عن حياة كل مرأة ورجل يتبع المسيح في طاعة الإيمان. أقولها للشباب الذين هم الأمل والقوة، وأقولها للكبار، الذين لهم الطبيعة الخارجيّة تتبدد بسرعة. الأفضل لم يأت بعد.
مثل عن عهد الحب الإلهي:
رأيت ذلك في مثل يوم الجمعة. كنت في زيارة بعض المسنين من أبناء شعبنا في مركز كارولين، وركبت المصعد مع امرأة على كرسي متحرك كانت كبيرة في السن، مشوهة، ومرتبكة. هزت رأسها بدون معنى وتلفظت بأصوات التي غير مفهومة وفتحت فمها. ثم لاحظت أن رجلا يرتدي ملابس أنيقة، وربما في منتصف الستينيات من العمر، كان يدفع كرسيها. كنت أتساءل من هو. ثم ونحن نخرج جميعا من المصعد، سمعته يقول: “أنتبهي لقدميك، يا حبيبتي”.
حبيبتي. عندما سيرت إلى السيارة، كنت أفكر. . . إذا كان عهد الزواج بين رجل وامرأة يمكن أن ينتج هذا النوع من الإخلاص والالتزام والمحبة في ظل هذه الظروف، فمن المؤكد وفقا للأحكام العظيمة والرحيمة للعهد الجديد في المسيح، ألا يجد الله صعوبة في ان يدعوني ويدعوك (ونحن مازلنا بأمراضنا!)، “حبيبي”. واذا فعل ذلك، فليس هناك حقيقة أكثر ثباتا في كل العالم من هذه: بالنسبة لنا، الأفضل لم يأت بعد. آمين.