التعريف
في التَّعَامُل مع مَا يَبْدُو أَنَّهُ “مُشْكِلَةٌ” فِي الكِتَابِ المُقَدَّسِ، ينبغي أن نقتربَ من الكتابِ باعتباره كلامَ الإله غير المُدرَكِ تمامًا، الذي من أَجْلِهِ يَكُونُ لسِيَاقُ النَّصِّ مع اتِّجاه المُفَسِّرِ أهَمِّيَّةٌ بَالِغَةٌ في الكِتَابِ المُقَدَّسِ كلِّه، وفي تَارِيخِ الفِدَاءِ.
المُوجَزُ
عِنْدما نحاول أن نفهَمَ بشكلٍ أَعْمَق “مُشْكِلَةً” ما فِي الكِتَابِ المُقَدَّسِ، يَنْبَغِي عَلَى المَرْءِ أَنْ يَتَعَامَلَ مع نصِّ المشكلة بتوجُّهٍ يتَنَاسَبُ مَعَ طَبِيعَتة الكِتَابِ بوصفِهِ كَلمة اللهِ. يُمْكِنُ وَصْفُ هَذَا المدخل بثَلَاث نَظَرَاتٍ: المَعْيَارِيَّة، وَالظَّرفِيَّة، وَالوُجُودِيَّة. تُحَتِّمُ علينا النَّظْرَةُ المَعْيَارِيَّةُ القُبُولَ بأَنَّ الإله الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِي الكِتَابِ المُقَدَّسِ له سُلطَانٌ عَلَيْنَا، وَلَيْسَ العَكْسُ. وعِلاَوةً عَلَى ذَلِكَ، هَذَا الإلَهُ غَيْرُ مُدْرَكٍ تَمَامًا، مِمَّا يَعْنِي أَنَّهُ ستوجد دَائِمًا أَسْرَارٌ أو أمورًا محيِّرَة فِي الكِتَابِ المُقَدَّسِ لن نقدرَ على إدراكها أو التَّوْفِيقِ بَينَها. أَمَّا فَحْصُ النَّظْرَةِ الظَّرْفِيَّةُ فَيحَتِّمُ علينا التَّأَنِّي والبَحْثَ بِصبرٍ في السِّيَاقِ الأوسَعِ لِلمُشْكِلَةِ. أَخِيرًا، تُحَدِّدُ النَّظْرَةُ الوُجُودِيةُ الدافِعَ الذي نَتَعَامَلُ بِه مَعَ كَلِمَةِ اللهِ، سَواء اتَّسَمَ هذا الدافع بالكِبْرِيَاء أو الإحبَاط نَتِيجَة الأمورِ الصَّعبةِ التِي نصادِفها.
كَيْف يَجِبُ أَن نتعامَلَ مع المشاكل فِي الكِتَابِ المُقَدَّسِ؟ أَغْلَبُ قُرَّاءِ الكِتَابِ يَلاحَظُون فِي النِّهَايَةِ شَيْئًا ما يَبْدُو “إشْكاليًّا”. ينطوي الكَثِيرٌ مِنْ هَذِهِ الإشكاليات على تَنَاقُضَاتٍ ظَاهِرِيَّةٍ تَأْخُذَ أَشْكَالاً مُتَعَدِّدَةً. قد يرى المَرْءُ أَحْيَانًا تَوَتُّرًا أَوْ تَنَاقُضًا ظَاهِرِيًّا بَيْنَ عدَدَيْنِ. وقد يَنشأ التَّوَتُّرُ بَيْنَ شَيْءٍ مَا فِي الكِتَابِ وَبَيْنَ إدعاءٍ آخر من مصدَرٍ خَارِج الكِتَابِ، كإدعاءِ عَالِمٍ، أَوْ مُؤَرِّخٍ، أَوْ أَخْلَاقِيٍّ، أَوْ فَيْلَسُوفٍ. وفي أَحْيَانٍ أخرى نُصَادِف تَوَتُّرًا في العقيدةِ. عَلَى سَبِيلِ المِثَالِ، كَيْفَ يُمْكِنُ لِإِلَهٍ وَاحِدٍ أَنْ يَكُونَ في ذات الوقتِ ثَلَاثَةَ أَقَانِيم؟ عِنْدَمَا نُواجِهُ مثل هذه التَّحَدِّيَات، كَيْفَ نتجاوبُ معها؟
حَقَائِقٌ أَسَاسِيَّةٌ عَنِ البَشَرِيَّةِ
ربما نَبْدَأ بِبَعْضِ الحَقَائِقِ الأَسَاسِيَّةِ عَنْ هُوِيَّتِنَا. نَحْنُ كائناتٌ بَشَرَيَّةٌ مخلوقَةٌ عَلَى صُورَةِ اللهِ. كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا مَسْؤُولٌ أَمَامَ اللهِ، المَلِكُ على الجَمِيعِ (مَزمُور 19:103). عِنْدَمَا نصادِفُ تَحَدِّيَاتٍ فيما يرتبط بِالكِتَابِ المُقَدَّسِ، يَجِبُ أَنْ يَتَّسِمَ رَدُّ فِعْلِنَا بالأمانة مع اللهِ وَشَخْصِهِ. يَجِبُ أَنْ تكُونَ استجابتُنا سَلِيمَةً من النَّاحِيَةِ الأَخْلَاقِيَّة. لَكِنْ كَيْفَ يُمْكِنُنَا تَحْقِيقُ ذَلِكَ؟
ثَلَاثَةُ جَوَانِبَ لِلتَّحَدِّي
أَظْهَرَ چون م. فريم بِوُضُوحٍ أَنَّ عَمَلِيَّةَ صُنْعِ القَرَارِ البَشَرِيِّ فِي الأَخْلَاقِ تنطوي على ثَلَاثَة جَوَانِبَ، يُمْكِنُ تَمْثِيلُهَا بِوُضُوحٍ عَبْرَ ثَلَاثِ وَجْهَاتٍ للنَّظَرِ: المَنْظور المَعْيَارِيُّ، وَالمَنْظور الظَّرفِيُّ، وَالمَنظور الوُجُودِيُّ. يَرْكَزُ المَنْظورُ المَعْيَارِيُّ لِلأَخْلَاقِ عَلَى المَعَايِيرِ الخَاصَّةِ بِالسُّلُوكِ والدوافع والشَّخصِيَّةِ البَشَرِيَّةِ. وَالمِعْيَارُ المُطلَقُ هُوَ صَلاحُ الله نَفسِهِ، ثم يليه المَعَايِيرُ المَوْجُودَةُ فِي وَصَايَا اللهِ أي فِي كَلِمَتِهِ في الكِتَابِ المُقَدَّسِ. ثَانِيًا، يَرْكَزُ المَنظورُ الظَّرْفِيُّ عَلَى المَوقِفِ أو الظرف، وَهُوَ العَالَمُ مِنْ حَوْلِنَا. يَسْأَلُ هَذَا المَنظورُ عَمَّا يُعَزِّزُ مَجْدَ اللهِ في هذا الموقف. ثَالِثًا، يَرْكَزُ المَنظورُ الوُجُودِيُّ عَلَى التوجُّهات والدَّوَافِعِ البَشَرِيَّةِ. يَجِبُ أَنْ يَكُونَ دَافِعُنَا هُوَ المَحَبَّة، أي المَحَبَّةُ لِلهِ، وَمِنْ بَعْدِهَا المَحَبَّةُ لِلقَرِيبِ (مَتَّى 37:22-40). كَيْفَ نَطْبَقُ هَذِهِ المناظير الثلاثة عِنْدَمَا نُواجِهُ مُشْكِلَاتٍ وَاضِحَةً فِي الكِتَابِ المُقَدَّسِ؟
مَعَايِيرُ التَّعَامُلِ مَعَ المُشْكِلَاتِ
يركِّزُ المَنْظِورُ المَعْيَارِيُّ الانتباه إلى الله نَفْسِهِ، بِاعتِبَارِهِ المِعيَارَ المطلق لِلحَقِّ وَالأَخْلَاقِ.
- اللهُ يَتَكَلَّمُ: عِنْدَمَا يَتَكَلَّمُ اللهُ، يَتَكَلَّمُ بِسُلطَانٍ. يكلِّمُنا الله فِي الكِتَابِ المُقَدَّسِ. تُنَاقِشُ مَصَادِرٌ أُخْرَى (بِي. بِي. وَارْفِيلد، وَكِيفِن دِيَنْج، أَدْنَاهُ، إِضَافَةً إِلَى مَصَادِرَ أُخْرَى) حَقِيقَةَ أَنَّ الكِتَابَ المُقَدَّسَ هُوَ كَلِمَةُ اللهِ (2 تِيمُوثَاوُسَ 16:3-17). وَبِالتَّالِي، فَإِنَّهُ كتابٌ ذُو سُلطَانٍ؛ سُلطَانِ اللهِ نَفْسِهِ. ينبغي أَنْ نُؤْمِنَ بِأَنَّهُ جديرٌ بالثِّقَةِ حَتَّى قَبْلَ الغوص فِي تَفَاصِيلِ نصٍّ مُعَيَّنٍ أَوْ عَقِيدَةٍ ما فِي الكِتَابِ المُقَدَّسِ. إن شَعَرْنَا بِأَنَّ الشُّكُوكَ تساورنا، يجب علينا الاعترافُ بها أمام الله، بَدَلاً مِنْ مُحَاوَلَةِ إِخْفَائِهَا. بكلِّ تأكيدٍ، الإِيمَانُ فقط بِأَنَّ اللهَ صَادِقٌ فِي كَلِمَتِهِ لَا يُحَلُّ المُشْكِلَاتِ، لَكِنَّهُ يُهيِّئ لنا سِيَاقًا رُوحِيًّا صحِّيًّا لِلتَّعَامُلِ مَعَ المُشْكِلَاتِ.
- فَوقِيَّةُ إدْرَاكِ اللهِ: عندما نَأَخُذُ شخصَ الله بعين الاعتبار فإن هذا يُفِيدُنَا بِطَرِيقَةٍ أُخْرَى. يُخْبِرُنَا اللهُ بِوُضُوحٍ فِي الكِتَابِ المُقَدَّسِ عَنِ الأُمُورِ الرَّئِيسَةِ التِي نَحْتَاجُ إِلَى مَعْرِفَتِهَا عنه من أجل خَلاَصِنَا، لَكِنْ لَيْسَ كُلُّ شَيْءٍ وَاضِحًا بِنَفْسِ القَدْرِ. اللهُ نَفْسُهُ يفوقُ إدراكنا، أَيْ أَنَّنَا، كَمَخْلُوقَاتٍ مَحْدُودَةٍ، لَا نَقوى أَبَدًا على فَهْمَهِ بِشَكلٍ كَامِلٍ. لَا نَقْوَى على الوُصُولِ إِلَى عمق هُوِيَّتِهِ أي بفَهْمِهِ تمامًا. اللهُ وَحْدَهُ هُوَ مَنْ يَفْهَمُ ذاتَهُ بالتمامِ. هَذَا يَعْنِي أَنَّ هُنَاكَ أمورًا محيِّرَةً فِي الكِتَابِ المُقَدَّسِ لا يُمْكِنُ حَلُّهَا.
عَلَى سَبِيلِ المِثَالِ، سِرُّ الثَّالُوثِ هُوَ أَحَدُ الأَسْرَارِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ حَلُّهَا. هُوَ سِرٌّ أَبَدِيٌّ، لِأَنَّ اللهَ وَحْدَهُ هو من يَعْلَمُ ذَاتَهُ تمامًا. لا نَفْهَمُ تَمَامًا كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ اللهُ وَاحِدًا فِي ثَلَاثَةِ أَقَانِيمَ. إن حَاوَلَ النَّاسُ كَشْفَ هَذَا السِّرِّ، يَنتَهِي بِهِمُ الأَمْرُ إِلَى الاعْتِقَادِ بِأنهم إِلَهٌ بِوِسْعِهِ فَهْمُ الِلهِ. وفي النهاية، يَقُودُهُم كِبْرِيَاؤُهُم إِلَى الهَرْطَقَةِ.
تَنْشَأُ الأمورُ المُحَيِّرَة أَيْضًا لِأَنَّ بَعْضَ التَّعَالِيمِ فِي الكِتَابِ المُقَدَّسِ عميقةٌ وصَعبَةٌ بِطَبِيعَتِهَا. في هذا الصدد يقول الرَّسُول بُطْرُس عن رسائل الرَّسُول بُولُس إنَّ: “…. فِيهَا أَشْيَاءُ عَسِرَةُ الْفَهْمِ، يُحَرِّفُهَا غَيْرُ الْعُلَمَاءِ وَغَيْرُ الثَّابِتِينَ كَبَاقِي الْكُتُبِ أَيْضًا، لِهَلاَكِ أَنْفُسِهِم” (2 بُطْرُس 16:3).
أخيرًا، قد تَنْشَأُ الأمور المحيِّرةُ لأننا لا نَمْلِكُ مَعْلوماتٍ كافيةٍ. على سَبِيلِ المِثَالِ، عندما نرى تَناقُضًا ظاهِريًّا بين روايَتَيْن عن شِفاءِ مجنون كورة الجَدَرِيِّين، ربما نَقْدِرُ أو لا نَقْدِرُ على الوصول إلى تفسيرٍ مُرْضٍ، لأننا لم نَكُن هناك ولا نَعرِفُ كلَّ التفاصيلِ المرتبطة بما حَدَثَ.
نَظَرَةٌ عَلَى الموقف
ربما نفكِّرُ بعد ذلك في الفوائدِ التي يُمْكِنُ أن تَنْشَأْ مِنَ التَّرْكِيزِ عَلَى السِّياقِ الظَّرْفِي. عِنْدَمَا نَجِدُ مُشْكِلَةً فِي الكِتَابِ المُقَدَّسِ، وَلَدَيْنَا الوَقْتُ لمُحَاوَلَةِ فَهْمِهَا، يَجِبُ أَنْ نَجْمَعَ بِقَدرِ الإمكان أكبر قَدْرٍ مِنَ المَعْلُومَاتِ ذات الصلة.
صياغة تعبيرية مُفصَّلة
هَل يَقُولُ النَّصُّ المَطْرُوحُ للبَحْثِ حَقًّا مَا نَظُنُّ أَنَّهُ يَقُولُه؟ نَحْنُ بِحَاجَةٍ إِلَى فَحْصِهِ بِدَقَّةٍ. رُبَّمَا تكُونُ هُنَاكَ أمورٌ غامِضَةٌ أو مُبْهَمَةٌ لَا تَظْهَرُ تمامًا فِي التَّرْجَمَةِ الَّتِي نَسْتَخْدِمُهَا غالبًا.
السِّيَاقُ الأَدَبِيُّ
نحْتَاجُ أَيْضًا إِلَى النَّظَرِ للسِّيَاقِ الأَدَبِيِّ الأَوْسَعِ. كَيْفَ يُسَاعِدُنَا السِّيَاقُ فِي فِقْرَةٍ ما وَفِي كُلِّ السِّفر، الذي نقرأ فيه تلك الفَقْرَةَ، عَلَى إظهارِ المَقْصُود حَقًّا في نصٍّ بعينِهِ؟
- الموضوع وسياق الحديث: لنأخُذْ بعين الاعتبارِ مثالاً واحِدًا. يقولُ المرَنِّمُ: “…. أَيْضًا تَثَبَّتَتِ الْمَسْكُونَةُ. لاَ تَتَزَعْزَعُ” (المزمور 1:93). هَل يتعارَضُ هَذِا النَّصُّ مع النَّظَرِيَّةِ الفَلَكِيَّةِ لكُوبِرنِكُوس؟ نَحْنُ بِحَاجَةٍ إِلَى النَّظَرِ فِي سِيَاقِ النصِّ. إنه نصٌّ شِعْرِيٌّ. هُوَ جُزْءٌ مِنْ ترنيمةٍ تُقَدِّمُ تَسْبِيحًا لِلرَّبِّ. لَا يُقَدِّمُ النَّصُّ تَعْلِيقًا فَنِيًّا عَلَى النَّظَرِيَّةِ الفَلَكِيَّةِ، بَل دَلِيلاً عَلَى أمانَةِ الرَّبِّ، بناءً على الخِبْرَة اليومية المعتادة. الأَرْضُ ثَابِتَةٌ تحتَنا، وذلك بِفَضْلِ سِيادَةِ اللهِ وعنايَتِهِ بِكُلِّ الأشياءِ. لُغَةُ النصِّ هِيَ لُغَةُ خبرَةِ بَشَرِيَّةِ يَوْمِيَّةِ، وَلَيْسَ لُغَةً فَنِّيَّةً خاصَّةً بعِلْمِ الفَلَكِ.
- توترٌ مقصودٌ: في بعضِ الأحيان، يُقَدِّم النَّصُّ بِشَكْلٍ مُتَعَمَّدٍ نوعًا من الحَيْرَةِ، لِيَحُثُّنا على التَّفَكيرِ فيه بِشَكْلٍ أَبعد. عَلَى سَبِيلِ المِثَالِ، تأمَّلْ هَذَيْن المَثَلَيْن فِي سِفْرِ الأَمْثَالِ 4:26-5:
“لاَ تُجَاوِبِ الْجَاهِلَ حَسَبَ حَمَاقَتِهِ، لِئَلَّا تَعْدِلَهُ أَنْتَ” (الأمثال 4:26).
“جَاوِبِ الْجَاهِلَ حَسَبَ حَمَاقَتِهِ، لِئَلَّا يَكُونَ حَكِيماً فِي عَيْنَيْ نَفْسِهِ” (الأمثال 5:26).
مِنَ السَّهْلِ أَنْ نَدَّعِيَ وجودَ تَنَاقُضٍ صَرِيحٍ هنا. إلا أنَّ العدَدَيْن أعلاه وُضِعَا جَنْبًا إِلَى جَنْبٍ لِكَي نُفَكِّرَ بِعناية وعمقٍ أكبر بشأن إجابة الجاهِلِ بِحِكْمَةٍ. وُجُودُ العباراتِ التَّوْضِيحِيَّةِ الَّتِي تَبْدَأُ بِلفظة “لِئَلَّا” يُسَاعِدُ فِي تَحْدِيدِ المقاصِد غير المتناقضة عن طَرِيقَةِ الإِجَابَةِ. فِي الحَقِيقَةِ، يَقُولُ المَثَلُ الأَوَّلُ: لا تَقَعْ ببساطةٍ فِي الحَمَاقَةِ بِإِجَابَةِ الأَحْمَقِ بِنَفسِ مستوى حماقَتِهِ. أما المَثَلُ الثَّانِي فيقول: ابْحَثْ بالفعلِ عَنْ إجابةٍ تهدُف إلى زلزلة حَمَاقَتِهِ. القِيامُ بأَحَدِهِمَا أَو كِلَيْهِمَا لَيْسَ سَهْلاً. لَكِنْ لَا يَعْنِي هَذَا استحَالَةَ الأَمْرِ.
عِنْدَمَا نُفَسِّرُ هَذِهِ النصوص، نحتاجُ إِلَى حَسٍّ أَدَبِيٍّ يَسْتَجْلِي المَعَانِي المُعَقّدَةَ. يَجِبُ أَنْ نَمْتَنِعَ عَنِ التقريرِ بعَجَلَةٍ، وسطحيةٍ بأَنَّ هُنَاكَ تَنَاقُضًا مُسْتَحِيلاً. كَمَا أَنَّ الرَّدَّ المنطقي يَتَطَلَّبُ مِنَّا التَّفَكيرَ فِي الحَيَاةِ نَفْسِهَا، فِي المُحَادَثَاتِ، فِي الحَمْقى، وَكَيْف نُقَدِّم المشورةَ بِحِكمَةٍ لِلنَّاسِ الَّذِينَ يفتقرون لحِكْمَةٍ فِي قُبُولِ النَّصحِ.
- السِّيَاقُ فِي تَارِيخِ الفِدَاءِ: يجبُ أن نأخُذَ بعين الاعتبار أَيْضًا المدى الكَامِلِ لِخُطَّةِ اللهِ من أجلِ التَّارِيخِ. عَلَى سَبِيلِ المِثَالِ، مِنَ السَّهْلِ الادِّعاء بأَنَّ هُنَاكَ تَنَاقُضًا بَيْنَ الشَّرائِعِ المقيِّدَة للطَّعَامِ في (اللَّاوِيِّين 11) وَتَعْلِيمِ الرَّبِّ يَسُوع فِي (مَرْقُس 7)، حيث صرَّحَ بأَنَّ كلَّ الأَطْعِمَةِ طَاهِرَةٌ (انْظُرْ العَدَدُ 19). كَيْفَ نُوَفِّقُ إذن بَيْنَ هَذَيْن النَّصَّيْن؟
يَجِبُ أَنْ نَأْخُذَ بِعْينِ الِاعْتِبَارِ أَنَّهُ، وَفْقًا لِقَصْدِ اللهِ، ينتمي هذان النَّصَّان إِلَى فترتَيْن مُتَمَيِّزَتَيْن فِي تَارِيخِ الفِدَاءِ. يَنْتَمِي اللاَّوِيِّينَ 11 إِلَى نِظَامٍ أوسع مِنَ الفرائض الرَّمْزِيَّةِ. فالتَّمْيِيزُ بَيْنَ الأَطْعِمَةِ الطَّاهِرَةِ وَالنَّجِسَةِ يُصَوِّرُ رَمْزِيًّا التَّمْيِيزَ بَيْنَ القَدَاسَةِ وَالخَطِيَّةِ. الرُّمُوزُ فِي سِفْرِ اللاَّوِيِّينَ تَشِيرُ إِلَى قداسة المَسِيحِ، الَّذِي جَاءَ لِيُكَمِّلَ العَهْدَ القَدِيمَ (مَتَّى 17:5). وبعد أَنْ جَاءَ المَسِيحُ، وَجَدَتْ الرَّمزيةُ الخاصة بالأَطْعِمَةِ النَّجِسَةِ كَمَالَهَا فِي قَدَاسَةِ المَسِيحِ، وبالتبعية فِي قَدَاسَةِ الشَّعْبِ الَّذِي يَنْتَمِي للمَسِيحِ. لقد أَدَّتِ القَوَاعِدُ السَّابِقَةُ بشأن الأَطْعِمَةِ غَايَتَهَا، ولذلك لَسْنَا بِحَاجَةٍ إِلَى حِفْظِها اليَوْمَ عِنْدَمَا نَأْكُلُ (1 تِيمُوثَاوُس 3:4-4).
- اسْتِشَارَةُ الآخَرِينَ: كَجُزْءٍ مِنْ وَضْعِنَا، ربما نفَكِّرُ أَيْضًا في كتاباتِ وَأَبحَاث مَسِيحِيِّينَ آخَرِين، ليس فَقَطْ فِي جِيلِنَا وَلَكِنْ فِي كلِّ الأَجْيَالِ السَّابِقَةِ. عبر القرون يَكْتُبُ المُؤْمِنِون المَسِيحِيُّون التَّفَاسِير للكِتَابِ المُقَدَّسِ. تَقَرِيبًا كلُّ المَشَاكِلِ الَّتِي نَصادِفُها قد وَاجَهَها المؤمنون قَبْلاً فِي القُرُونِ السَّابِقَةِ. إن التَّفَاسِيرَ، المَقَالَاتِ المَوسُوعِيَّةَ للكتابِ المقدَّسِ، وَكتُبَ اللَّاهوتِ النِّظَامِيِّ لا تُشِيرُ فقط إِلَى المَشَاكِلِ، بَل تُقَدِّمُ أيضًا حَلُولاً. فِي الحَقِيقَةِ، وفي كَثِيرٍ مِنَ المَشَاكِلِ التِي نصادِفهَا يمكِن الوصول لَيْسَ إلى حَلٍّ واحدٍ فقط بَل إلى عِدَّة حَلُولٍ مُمْكِنَةٍ. قد لَا تَبْدُو كلُّ الحَلُولِ جَذَّابَةً. إن العِلمَ بِأَنَّ مَسِيحِيِّينَ آخَرِينَ قَدْ صارعوا قبلاً مع هَذِهِ المَشَاكِلَ يَمْنَحُنَا الطَّمَأنِينَةَ. وَقد يَحْدُثُ، بشكلٍ مُتَكَرِّرٍ، أن نَجِدَ عَلَى الأَقَلِّ حَلًّا وَاحِدًا مُقْتَرحًا قد يكونُ بالفِعْلِ هو الحَلُّ الصَحِيحِ. رُبَّمَا يَكُونُ شَيْئًا لَمْ يَأخُذْهُ بِعينِ الِاعتِبارِ تفكيرُنا المَحْدُودُ.
فَحْصُ دوافعنا
بعد ذلك، يُمْكِن أَن نَأْخُذَ بعين الِاعْتِبَارِ المَنْظُورَ الوُجُودِيَّ، الَّذِي يَرْكَّزُ عَلَى التوجُّهات والدَّوَافِعِ. بِأَيَّةِ توجُّهات نتعاملَ نَحن مع مُشْكِلَةٍ ما نَجِدُهَا فِي الكِتَابِ المُقَدَّسِ؟
الكِبْرِيَاءُ
هل نقتربُ من الكِتَابِ المُقَدَّسِ بِدَافِعِ الغَطرَسَة، أَمْ بِثِقَةٍ في أَنَّنَا أَذكياء بما يكفي لحل أيَّة مشكلةٍ كتابِيَّةٍ؟ وإن لَمْ نَجِدْ الحلَّ، هَل نَظُنُّ أَنَّنَا أذكياءٌ بما يكفي حَتَّى نُقَرِّر وجودَ أخطاءٍ في الأَسْفَار المقدَّسَة لاستحالة وجودِ حَلٍّ لهذه المشكلة؟ أَمْ أَنَّنَا مُسْتَعِدُّون للتَّحَلِّي بالصْبَرِ؟
التَّحَمُّلُ
رُبَّما نَأخُذُ تَحَدِّيًا آخَرَ يرتبطُ بالتوجُّهات والدوافِعِ. هَل نحن على استعدادٍ أَنْ نَتَحَمَّلَ ازدراءَ النَّاسِ الَّذِينَ يرون إِنَّنَا سُذَّجٌ أَوْ أغبياءٌ لِأَنَّنَا نَتَمَسَّكُ بِسُلطَان كَلِمَةِ اللهِ؟ هَل نَحن على استعداد لِتَحَمُّل المعاناة الفِكْرِيَّةَ عِنْدَمَا ينكشفُ عجزُنا عن الوصولِ إلى حَلٍّ مَعْقُولٍ لِأيَّة مُشْكِلَة من المشاكلِ الكتابِيَّة؟
التَّعْزِيَةُ
مِنَ المُفِيدِ أَنْ نُدْرِكَ أَنَّ الخِبْرَةَ المليئةَ بالتَّحَدِّيَاتِ فِي الكِتَابِ المُقَدَّسِ يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَخْدِمها الله لِخَيْرِنَا. يُمْكِنُ أَنْ تُسَاعِدَنَا عَلَى النُّمُوِّ فِي التَّوَاضُعِ، فِي الاتِّكالِ عَلَى اللهِ، فِي الصَّبْرِ، فِي تقْدِيرِ دَوْرِ الألم فِي الحَيَاةِ المَسِيحِيَّةِ. يُمْكِنُ لألمنا أَنْ يُعَزِّزَ تَقْدِيرَنَا لألم المَسِيحِ مِنْ أَجْلِنَا (فِيلِبِّي 10:3).