التعريف
بينما يَتَّخِذ اللاهوت الميثوديستِيّ[1] بنود الكنيسة الأنجليكانيَّة الـ 39 نقطة انطلاقٍ له، فإنَّه نظامٌ عقائدي يفصل نفسه بوضوح عن الكثير من سِمَات الكالڤينيَّة المُمَيِّزة مع التشديد على أهميَّة القداسة والنمو المسيحيَّيْنِ.
الموجَز
مع اتِّخاذ الميثوديستِيَّة بنود الكنيسة الأنجليكانيَّة الـ 39 نقطة انطلاقٍ لها فإنَّها تقبل السُّلطَة النهائيَّة للكتاب المقدَّس وتؤكِّد الأرثوذكسيَّة اللاهوتيَّة والكريستولوچيَّة للقرون الخمسة الأولى. تؤكِّد الميثوديستِيَّة كذلك الروحانِيَّة والرغبة في مُشابهة المسيح اللتَيْنِ نجدهما في الكثير من كتابات كُتَّاب مسيحيَّة القرون الوُسطَى الروحانيِّين. لقد فصلت الميثوديستيَّة نفسها بوضوح عن العقائد المُمَيَّزة الرئيسيَّة في الكالڤينيَّة، فالمعرفة الإلهيَّة المُسْبَقَة هي نتيجة العِلْم الكُلِّيّ المُطلَق في الله لا في خطته ومقاصده الأزليَّة، وعمل المسيح الكفَّاري هو أصل النعمة المُسْبَقَة prevenient grace؛ حيث إنَّ أثره الرَّجْعِيّ شامِلٌ وعَالَمِيّ في محو ذنب خطية آدم من كل البشر، وعمل الروح القدس أيضًا هو ظاهِرة شامِلة وعَالَمِيَّة تَسْتَرِد بعمل كفَّارة المسيح الشاملة العالميَّة القُدْرَةَ الذاتِيَّة على الاستجابة الإيجابيَّة لإعلان الله. مع تأكيد الميثوديستيَّة على جوهر عقيدة أرثوذكسيّ [قويم] وإنجيلِيّ الطابع اعتنقت الميثوديستيَّة قناعة چون ويسلي بأنَّ اختبار الكثيرين في كافَّة أرجاء العالم المسيحي قد يكون خلاصيًّا على نحوٍ أصيل ومسيحيًّا بشكلٍ أساسيّ على الرغم من احتواء عناصر في لاهوتهم على نزعةٍ مُفسِدَة.
يُجَسِّد اللاهوت الميثوديستيّ في شكله الرئيسي، وبِتَجَاوُز كل ضروب التَّطوُّرات الطائِفِيَّة داخل الميثوديستيَّة، وباستثناء المجموعة الصغيرة من الميثوديستِيِّين الكالڤينِيِّين، مُقَارَبَة چون ويسلي (1703-1791) العقائِدِيَّة المُمَيَّزة. يعكس لاهوت ويسلي مجموعة من الالتزامات النابِعة من أجداده المُنْشَقِّين Dissenters، ووالده الأنجليكاني، ووالدته التقِيَّة التي تستطيع قراءة الكتاب المقدَّس، وجهوده نحو القداسة في “النادي المقدَّس” بجامعة أوكسفورد، والصعوبات التي واجهها في العمل المُرسَلي في چورچيا، وانطباعات قويَّة ومؤثِّرة تركتها فيه جماعة الموراڤِيِّين (ولا سِيَّما پيتر بولر)، ودِفْء في القلب روحي عميق (رُبَّما اهتداء حقيقي) شَعَرَ به عند سماع قراءة مقدمة رسالة رومية لمارتن لوثر عام 1738، وزيارة للمُستَوطَنَة التقوِيَّة في هِرْنهوت (التي تعني “بيت الرب”) حيث قَابَل الكونت فون زينزِندورف. على الرغم من حِرْص ويسلي الشديد على السعي إلى تَجَنُّب الجَدَل اللاذِع، ورغبته في أن يقوده المختلف معه “مُمسِكًا بِيَدِي… بِقَدْر ما أستطيع التَّحَمُّل”، انخرط ويسلي في صراعٍ عقائدي شديد مع چورچ وايتفيلد، وأوغَسطِس توپليدي، وچون جيل، فقد أَدَّتْ عقائد التعيين المُسبَق والاختيار غير المشروط والكمال المسيحي إلى اشتباكات شملت فَحْصًا في غاية الدِّقَّة وتَبَادُلات في مُنتَهَى الحِدَّة.
من خلال الجمع بين هذه الأماكن والأشخاص والخبرات طَوَّرَ ويسلي شَغَفًا وحيدًا لحياته وحياة الآخرين، وهو “إيجاد الطريق إلى السماء”، فإلى جانب ديدان [أو عُثِّ] الكتاب المقدَّس الميثوديستِيِّين خاصَّته في جامعة أوكسفورد، اعترف ويسلي بأنَّه لا يملك “أي نِيَّة سوى نشر مجد الله، أو أي رغبة سوى تخليص النفوس من الموت”. إنَّ الامتداد الجغرافي للحركة التي كان هو مركزها ومُدَّتَها طوال حياته جعلاه يؤمن بصدق أنَّه قد رأى «فجر ‹مجد اليوم الأخير›» (العظات، عِظَة رَقْم 67).
وبحثًا عن بلوغ هذه الغاية عَمِلَ ويسلي بنصيحة چورچ وايتفيلد وبدأ يَعِظ في الحقول من أجل الوصول إلى الجماهير، ونَظَّم ويسلي مُهتَدِيه والرجال الذين جاءوا إليه ليكتشفوا موهبة الوعظ تحت تأثيره في مجتمعات مُصَمَّمَة كَيْ يُشَجِّع مَنْ فيها بعضهم البعض في طريق التقوى والقداسة الحقيقيَّتَيْن والاعتراف الصادق الأمين، وكَيْ تدعم الوعظ التبشيري المُتَجَوِّل، وبعد الكثير من البدايات والتَّوَقُّفات تم تنظيم أول مجتمع ميثوديستي دائم في المَسْبَك the Foundry يوم 23 يوليو 1740. وتَقَرَّرَت الميثوديستِيَّة ككنيسة انشقاق Dissent مُعتَرَف بها قانونًا عام 1784، ذات العام الذي أعطى فيه ويسلي الميثوديستيَّة في أمريكا “الحرية الكاملة فقط لاتِّباع الكتاب المقدَّس والكنيسة الأولى في شكلها الأصلي”.
اعتبر ويسلي نفسه في مُلاحَقَة شغفه بالذهاب إلى السماء وأَخْذ آخرين معه أومو أونيوس ليبري homo unius libri، رَجُل كتابٍ واحِدٍ، فقد كانت معرفته بالكتابات اللاهوتيَّة كبيرة، ولكن كانت قيمة هذه الكتابات هي الإشارة إلى فَهْمٍ واضح للكتاب المقدَّس؛ ومن ثَّم إلقاء الضوء على الطريق إلى السماء. ومن خلال إلمامه الجيِّد بالعهد الجديد اليوناني، وآباء الكنيسة الأوائل (وخاصَّةً الآباء اليونانِيُّون)، ومُتَصَوِّفة القرون الوُسطَى، وكلا جناحي حركة الإصلاح، الجناح الراديكالي والجناح السُّلطَوي، طَوَّر ويسلي جوهرًا مسكونيًّا من الالتزامات اللاهوتيَّة الذي آمن بأنَّه قد مَثَّل قاسمًا مشتركًا بين كُلِّ المسيحيِّين الحقيقيِّين، فقد كَتَبَ ويسلي إلى مجموعة من الكاثوليك الأيرلنديِّين: “فإذا لم نستطع حتَّى الآن أن نُفَكِّر بالمِثْل في كل شيء، يمكننا على الأقل أن نُحِبَّ بالمِثْل”، وبعد أن وضع ويسلي سلسلة من العقائد التي يشترك الجميع في الإيمان بها، والممارسات الأخلاقيَّة التي تدعو إليها هذه العقائد، تساءل: “الآن، ألا توافق أنت نفسك على هذه؟ هل توجد نقطة واحدة تستطيع إدانتها؟”، وامتحن ويسلي قائلًا: “إذا كان هناك إنسان يؤمن إيمانًا صادِقًا بهذه كثيرًا، وتوافقت ممارساته مع إيمانه، فهل بإمكان أي شخص إقناعك بالاعتقاد بأنَّ مثل هذا الإنسان سيهلك أبدِيًّا؟” (Albert Outler, John Wesley, 496). لاحظ ألبرت أَوْتلر أنَّ لاهوت ويسلي كان “غارِقًا في الطبقة الأصليَّة الغنِيَّة للإصلاح الإنجليزي: ضد الكنيسة الكاثوليكيَّة الرومانيَّة بشكل عنيف من حيث نظام الحُكم في الكنيسة، ومع ذلك أيضًا معارِض بشكل غريزيّ للآراء المُتَطَرِّفَة لبروتستانت البَرِّ الأوروبي؛ مسكونيّ اللهجة والطابع؛ مُكَرَّس للاتِّزان الديناميكي بين العبادة المسيحيَّة والسلوك المسيحي” (122).
مصادر اللاهوت الميثوديستِيّ
المَحَاضِر العقائِدِيَّة
تُعَدُّ الوثائق التكوينيَّة -ويمكن القول أيضًا ذات السُّلطَة- للميثوديستِيَّة، المصدر الذي منه “تُنْظَم العقيدة”، رُباعِيَّة الأضلاع. يأتي المصدر الأول وصاحب البذرة التكوينيَّة الأولى للنَّظْم العقائدي داخل الميثوديستيَّة من المَحَاضِر العقائِدِيَّة. التقى ويسلي في الفترة من 1744 إلى 1748 بمجموعة مُختَارَة من الوُعَّاظ [وهو ما يُعرَف بالمؤتمرات] لطَرْح أسئلة عقائديَّة، ومناقشتها بحريَّة، وتقديم مُلَخَّص لإجابتها، وقد قدَّم ويسلي نفسه التوليف النهائي لكل موقف عقائدي. تَشُقُّ هذه التوليفات طريقها إلى عظات وإلى ملاحظات تفسيريَّة، وقد قال عنها ألبرت أَوْتلر إنَّها تُشَكِّل “المعرض الأكثر أهميَّة لطريقة وجوهر تَعَاطِي ويسلي اللاهوتي”، وتُزَوِّد القارئ بـ “دخولٍ لا مثيل له إلى عقل ومنهجيَّة هذا اللاهوتي المُبَشِّر” (135).
في المؤتمر الأول من هذا النوع شملت الأسئلة المطروحة: “ما معنى أن تتبرَّر؟”، “ما هو الإيمان؟”، “هل الأعمال ضروريَّة لاستمرار الإيمان؟”، “ما هي اللاناموسِيَّة (الأنتينوميانيزم)؟”، وفي اليوم الثاني من المؤتمر طُرِحَت أسئلة عن التقديس: “أليس كُلُّ مؤمن خليقةً جديدة”؛ “ما الذي يتضمَّنه التَّكَمُّل في المَحَبَّة؟”؛ “هل يتضمَّن هذا أنَّ مَنْ يَتَكَمَّل هكذا لا يستطيع أن يُخطِئ؟”، واقتبست الإجابة 1يوحنا 3: 9 مع التأكيد التالي: “يؤكِّد القديس يوحنا ذلك صراحةً”. نظرًا لأنَّ الإجابات المُقَدَّمة غالبًا ما كانت إجابات قصيرة تحتوي على جُملة واحدة أو اقتباس آية واحدة من الكتاب المقدَّس، ففي النقاش اللاهوتي اللاحِق، كالعِظات أو الملاحظات التفسيريَّة، يتم التوسُّع في الفكرة العقائديَّة ومراعاة اتِّساقها مع الحقائق العقائديَّة الأخرى وتقديمها في سياق الخدمة المسيحيَّة، وهذا التوسُّع في الفكر، موضوعًا في سياق التَّصَوُّر الأوسع نطاقًا لإطارٍ كتابيّ وتكامُلٍ عقائديّ وفحصٍ اختباريّ، يظهر جَلِيًّا في إنضاج مفهوم “الكمال المسيحي”.
العِظَات
إنَّ المصدر الثاني من مصادر اللاهوت الميثوديستيّ هو عِظات ويسلي، والتي نُشِر المُجَلَّد الأول منها بعد عامين من المؤتمر العقائدي الأول. تتكوَّن هذه المجموعة من العظات العقائديَّة التفسيريَّة مِمَّا لا يقل عن أربع وأربعين وما لا يزيد عن اثنتين وخمسين أو ثلاث وخمسين عِظةً مُنتَقَاة على نحوٍ مُحَدَّدٍ كنماذج، ليس فقط للمبادِئ العقائديَّة الرائِدة في الميثوديستيَّة، بل أيضًا لكيفيَّة الوعظ بها. نُشِر في النهاية الكثير من عِظات ويسلي الأخرى، ما يصل إلى 138 عِظة، ولكن اعْتُبِرَت هذه العظات الأولى بوصفها مجموعة يمكن التَّحَكُّم فيها من المواد العقائديَّة والعمليَّة والروحيَّة كافية لتعمل كأدِلَّة إرشاديَّة في هذه المجالات. تتناول هذه المجموعة بشكل رئيسي الموضوعات البروتستانتيَّة المُتَعَلِّقة بكيفيَّة حصول الخاطئ على الخلاص، والخطيَّة الأصليَّة، والولادة الجديدة، والتبرير بواسطة برِّ المسيح المحسوب، والإيمان كوسيلة الحصول على غطاء البر هذا لا كغطاء لارتكاب الخطيَّة، والحياة المقدَّسة والتقديس، واليقين، وشهادة الروح القدس، والإثمار، والكمال المسيحي، وإنكار الذات. تقوم ثلاث عشرة عِظَةً من هذه العظات على الموعظة على الجبل في متَّى 5-7. تؤكِّد عِظَة التبرير بالإيمان أنَّ «الإيمان المُبَرِّر لا يتضمَّن فقط برهانًا إلهيًّا أو اقتناعًا إلهيًّا[2] بأنَّ ‹اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ›، ولكنَّه يتضمَّن أيضًا اتِّكالًا وثقةً أكيدَيْنِ بأنَّ المسيح مات من أجل خطاياي ‹أنا›، وبأنَّه أَحَبَّنِي ‹أنا›، وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي ‹أنا›»، فلا يجب أن يشمل الإيمان الخلاصي فقط الاتِّكال على وعد الله العام بأنَّه سَيُخَلِّص كل مَنْ يؤمن بالمسيح، بل يجب أن يشمل أيضًا الاقتناع بأنَّ قصد الله الفدائي يشملني “أنا” على وجه الخصوص. رَكَّز ويسلي بشكل أساسي في هذه العِظَة على تطابُق التبرير ومغفرة الخطايا، ولكن في العِظَة رَقْم 20، من أجل أن يُصبِح واضِحًا بشأن فهمه للتبرير بالإيمان بما في ذلك حُسبان طاعة المسيح وبرِّه الكامِلَيْن، أشار ويسلي إلى أُطرُوحَته عن التبرير التي أكَّد فيها أنَّ “حُسبان بر المسيح” يشتمل على مَنْح “بِرّ المسيح، بما في ذلك طاعته، السلبيَّة والإيجابيَّة” حيث ينال المؤمن “الامتيازات والبركات والمنافع المُشتَرَاة” بطاعة المسيح، و”يمكن القول عنه إنَّه مُتَبَرِّرٌ بِبِرِّ المسيح المحسوب”؛ ومن ثَمَّ “ليس لأي بِرٍّ فيه”. لم يُكمِل هذا التوضيح القوي الشهادة الوعظيَّة فَحَسْب، ولكنَّه قد أكمل أيضًا الانطباع الذي تركه هذا التصريح في المؤتمر العقائدي الأول: “لا نجد تأكيدًا صريحًا في الكتاب المقدَّس أنَّ الله يحسب بِرَّ المسيح لأي شخص، على الرغم من أنَّنا نجد بالفعل أنَّ الإيمان يُحسَب لنا بِرًّا” (Outler, 139). وقد أوضح ويسلي أيضًا في هذه العظة [رَقْم 20] العلاقة بين البر المحسوب والبر الجوهري من خلال طَرْح استفسار والرَّدِّ عليه: “ولكن ألا تؤمن بالبر الجوهري؟ نعم، أؤمن به، ولكن في مكانه الصحيح، أي ليس كأساس قبولنا عند الله، بل كثمرته؛ ليس في مكان البر المحسوب، بل مُتَرَتِّب عليه”، وفي هذا يَكمُن يقين التقديس لكل مَنْ لديهم إيمان حقيقي بالإنجيل.
الملاحظات التفسيريَّة
يتكوَّن المصدر الثالث لنَظْم العقيدة الميثوديستيَّة من ملاحظات ويسلي التفسيريَّة على العهد الجديد (1755)، وقد أنتج ويسلي هذه الملاحظات خلال فترة حَظَرَ فيها المرض الجسدي نشاطه الدؤوب المعتاد في الوعظ المُتَجَوِّل، وقد كُتِبَت هذه الملاحظات في الأصل كمصدر لدراسة الكتاب المقدَّس لـ “الأشخاص الجادّين الذين لم تكن لديهم مَزِيَّة التعليم… الذين يفهمون لغتهم الأم فقط” (Oden, Doctrinal Standards in the Wesleyan Tradition, 84). خلال عملية تعليقه على الكتاب المقدَّس أعاد ويسلي أيضًا ترجمة مقاطع من نسخة الكتاب المقدَّس الإنجليزيَّة المُعتَمَدَة [Authorized Version/نسخة الملك چيمس للكتاب المقدَّس] شعر بأنَّها يمكن أن تكون أكثر وضوحًا أو بأنَّها ينبغي أن تستند إلى أَدِلَّة أحدث فيما يتعلَّق بالمخطوطات. غالبًا ما تكون تعليقاته عبارة عن أجزاء صغيرة مُكَوَّنة من جُمَل قصيرة تحمل تركيزًا توضيحيًّا أو إنذارًا بهدف إحراز التقدُّم الروحي في القارئ، إلَّا أنَّه في كثير من الأحيان يكون لديه تعليقات أكثر تَوَسُّعًا من أجل التشديد على الأهميَّة العقائديَّة لمقاطع مُعَيَّنة، فعلى سبيل المثال، في يوحنا 1: 1 ينظر ويسلي في تعبير “الْكَلِمَة”، ويقول إنَّ هذا المُصطَلَح يُستَخدَم في مزمور 33: 6 و“بشكل متكرر في الترجمة السبعينيَّة، وكذلك في الصياغة الكلديَّة [الأراميَّة] للكتاب المقدَّس العبري؛ لذا فإنَّ القديس يوحنا لم يَسْتَعِر هذا التعبير من فيلو أو من أي كاتب وثني”، وحيث إنَّ هذا المقطع يكشف أسرارًا عن وجود “الْكَلِمَة” قبل التجسُّد لا يستخدم الرسول يوحنا اسم يسوع أو المسيح، “إنَّه الكلمة الذي وَلَدَه الآب أو تَكَلَّم به منذ الأزل؛ والذي به يَتَكَلَّم الآب ويصنع كل شيء؛ والذي يُخَبِّرنا ويُعلِن لنا الآب”، وواصل ويسلي مازِجًا النَّص الكتابي باللغة الأرثوذكسيَّة الكلاسيكيَّة: “إنَّه اَلابْنُ الْوَحِيدُ للآبِ، والَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ، والذي خَبَّرَ عن الآبِ”، ولكن بِكَوْنِهِ “عند الله” نعلم أنَّه “مُتَمَايِزٌ عن الله الآب، وتُشير الكلمة المُتَرجَمَة عند إلى مَيْلٍ دائِمٍ -إِذَا جَازَ التَّعْبِيرُ- للابن نحو الآب في وَحْدَةٍ في الجوهر، وقد كان الكلمة عند الله وَحدَه؛ إذ لم يَكُن هناك أي وجود لأي شيء غير الله عِندَئِذٍ”.
يُظهِر تعليق ويسلي على “أَبَا الآب” في رومية 8: 15 بصيرته بكُلٍّ من المعاني الضمنيَّة الخفيَّة لِلُّغَة والفروق العقائديَّة الدقيقة المُلَمَّح إليهما في النَّص، فبعدما أشار إلى أنَّ “الصراخ [نَصْرُخ]” يدل على “حديثٍ قَوِيٍّ برغبةٍ وثقةٍ واستمراريَّةٍ”، نَظَرَ إلى تكرار الخِطَاب على أنَّه ليس مجرد أداة تفسيريَّة، ولكن “باستخدام كلتا الكلمتَيْن، السريانيَّة واليونانيَّة، يبدو أنَّ القديس بولس يُشير إلى الصرخة المشتركة لكُلٍّ من المؤمنين اليهود والمؤمنين الأمميِّين”. علاوةً على ذلك، يُظهِر الروح القدس عمليَّتَيْن مختلفتَيْن على نحوٍ واضح، ولكُلٍّ منهما هدف مختلف: “يبدو أنَّ روح العبوديَّة هنا يعني بشكل مباشر تلك العمليات التي يقوم بها الروح القدس، والتي من خلالها تشعر النَّفْس، عند إدانتها [تبكيتها] الأولى، بأنَّها تحت عبوديَّة الخطيَّة والعالم والشيطان، وبأنَّها عُرضَة لغضب الله؛ لذا فإنَّ هذا الروح وروح التَّبَنِّي هُما نفس الروح القدس الواحِد، ولكنَّه فقط يُظهِر نفسه في عمليات مختلفة وفقًا لظروف الأشخاص المختلفة”.
إنَّ الاهتمام الذي يُوليه ويسلي لنقاط عقائديَّة مُمَيَّزة يَظهَر أيضًا بوضوحٍ مُختَصَرٍ في هذه الملاحظات التفسيريَّة، فعلى سبيل المثال، نَجِد بين تعليقاته على رومية 8: 30 توليفه العقائدي مذكورًا باختصارٍ مفيد: “لا يؤكِّد القديس بولس، سواءٌ هنا أو في أي جزء آخر من كتاباته، أنَّ نَفْس عدد الأشخاص بالضبط يُدعَوْن ويُبَرَّرون ويُمَجَّدون، ولا يُنكِر القديس بولس أنَّ المؤمن يمكن أن يسقط ويُقطَع بين دعوته الخاصة وتمجيده”، ويُصِرُّ ويسلي مُجَدَّدًا: “ولا يُنكِر القديس بولس أيضًا أنَّ كثيرين يُدعَوْن لا يُبَرَّرون أبدًا، وإنَّما يؤكِّد القديس بولس فقط أنَّ هذه هي الطريقة التي يقودنا الله بها خطوة بخطوة نحو السماء”.
بنود الإيمان
بالنسبة للمصدر الرابع للنَّظْم العقائدي داخل الميثوديستيَّة فَنَجِده حاضِرًا في بنود الإيمان. لقد وضع ويسلي البنود التسعة والثلاثين لكنيسة إنجلترا أساسًا يبني عليه. على الرغم من أنَّ ويسلي استبعد البند السابع عشر الذي أكَّد فهمًا كالڤينيًّا لعقيدة الاختيار، لا يُدرِج ويسلي أي تأكيد أرمينيّ مُمَيَّز في هذه البنود زيادةً على ما قد يكون موجودًا ضمنيًّا في البنود كما هي، فعلى سبيل المثال، يَنُصّ البند العشرون من بنود الإيمان لويسلي على أنَّ: “ذبيحة المسيح المُقَدَّمَة مرةً واحدة هي ذلك الفداء الكامل والكفَّارة الكاملة والترضية الكاملة عن كل خطايا العالم بِأَسْرِهِ، الأصليَّة والفعليَّة”، أمَّا بالنسبة لهذه الآراء العقائديَّة فَتَنْفَرِد بها ملاحظاته التفسيريَّة وعظاته ومَحَاضِره العقائِدِيَّة. حذف ويسلي أربعة عشر بندًا من البنود الأنجليكانيَّة وأبقى على خمسةٍ وعشرين مع إدخال بعض التعديلات عليها لتناسب اللاهوت الكنسي للميثوديستيَّة، مُسقِطًا بعض التلميحات السِّرِّيَّة [المتعلِّقة بِسِرِّيَّة أو فاعِليَّة الأسرار المقدَّسة] الموجودة في البنود الأنجليكانيَّة، ومُجرِيًا عددًا من التغييرات الصغيرة أو الإسقاطات الأكبر حجمًا من أجل الاقتصاد الأدبي. لقد وَضَع هذا المعيار المُنَظِّم للعقيدة ويسلي والميثوديستيَّة اللاحِقة في صَفِّ الأرثوذكسيَّة اللاهوتيَّة والأرثوذكسيَّة الكريستولوچيَّة والأرثوذكسيَّة الخاصَّة بعقيدة الروح القدس للكنيسة الأولى بما في ذلك عقيدة الانبثاق المزدوج للروح القدس. تُعطي البنود سُلطَة الكتاب المقدَّس، والخطيَّة الأصليَّة أو خطيَّة الولادة، والإرادة الحرة، والتبرير، والأعمال الصالحة تعريفات مُختَصَرَة، وتُنكِر النَّوَافِل، وتُقِرّ بإمكانيَّة مغفرة الخطايا التي تُرتَكَب بعد المعموديَّة. ترفض البنود عددًا من العقائد والممارسات الكاثوليكيَّة الرومانيَّة (بما في ذلك عقيدة المَطهَر وعقيدة استحالة الجوهر) بوصفها “مُعارِضة لكلمة الله”. هناك ستة بنود مُخَصَّصَة للكنيسة والأسرار المقدَّسة.
المُلَخَّص
ما نوع المِلَفِّ اللاهوتي الذي تُقَدِّمه مصادر العقيدة؟ تقبل الميثوديستيَّة السُّلطَة النهائيَّة للكتاب المقدَّس، فهي، مثل ويسلي، طائفة “كتابٍ واحِدٍ”. طَوَّرَت الميثوديستيَّة تعبيرها عن عقيدتها من خلال المناقشة، والتفسير الكتابي المُحكَم منطقيًّا، والعرض الوعظي للعقيدة، واعتراف إيماني بروتستانتي وسطي. تؤكِّد الميثوديستيَّة تاريخيًّا الأرثوذكسيَّة اللاهوتيَّة والكريستولوچيَّة للقرون الخمسة الأولى، وتؤكِّد أيضًا الروحانِيَّة والرغبة في مُشابهة المسيح اللتَيْنِ نجدهما في الكثير من كتابات كُتَّاب مسيحيَّة القرون الوُسطَى الروحانيِّين. على الرغم من أنَّ ويسلي لاحظ أنَّ “حَقّ الإنجيل” يقع على بُعْد “شَعْرَة” من الكالڤينيَّة، فصلت الميثوديستيَّة نفسها بوضوح عن العقائد المُمَيَّزة الرئيسيَّة في الكالڤينيَّة، فقد طَرَحَ المؤتمر الأول السؤال: “أَلَمْ نميل كثيرًا هكذا دون أن نلاحظ نحو الكالڤينيَّة؟”، وكانت الإجابة: “يبدو كذلك”. لقد اعتبرت الميثوديستيَّة عقيدة الرفض بمنزلة حَجَرِ رَحًى حول عُنُق الكالڤينيَّة والتَّبِعَة العقائديَّة الأكثر شرًّا لعقيدة الاختيار غير المشروط، فالمعرفة الإلهيَّة المُسْبَقَة هي نتيجة العِلْم الكُلِّيّ المُطلَق في الله لا في خطته ومقاصده الأزليَّة، وعمل المسيح الكفَّاري هو أصل النعمة المُسْبَقَة prevenient grace؛ حيث إنَّ أثره الرَّجْعِيّ شامِلٌ وعَالَمِيّ في محو ذنب خطية آدم من كل البشر، مُستَرِدًّا “القدرة على الحياة الروحيَّة” لكل البشر، ومُنشِئًا مخزونًا من المغفرة لكل مَنْ يؤمن، وبسبب هذا الاسترداد الشامل العَالَمِيّ فإنَّ وحدتنا مع آدم في سقوطه هي بَرَكَة عظيمة. إنَّ عمل الروح القدس أيضًا هو ظاهِرة شامِلة وعَالَمِيَّة تَسْتَرِد بعمل كفَّارة المسيح الشاملة العالميَّة القُدْرَةَ الذاتِيَّة على الاستجابة الإيجابيَّة لإعلان الله؛ فبدون مثل هذا الاسترداد للحُرِّيَّة الطوعيَّة “سيكون إسناد فضيلة أو رذيلة إليه [إلى الإنسان] أمرًا في غاية السُّخْف، تمامًا مثل إسناد أيٍّ منهما إلى جِذْع شجرة”. مع تأكيد الميثوديستيَّة على جوهر عقيدة أرثوذكسيّ [قويم] وإنجيلِيّ الطابع اعتنقت الميثوديستيَّة قناعة چون ويسلي بأنَّ اختبار الكثيرين في كافَّة أرجاء العالم المسيحي قد يكون خلاصيًّا على نحوٍ أصيل ومسيحيًّا بشكلٍ أساسيّ على الرغم من احتواء عناصر في لاهوتهم على نزعةٍ مُفسِدَة.
[1]اللاهوت الميثوديستِيّ هو لاهوت كنائس الإصلاح في بلادنا العربيَّة، والتي تشمل كنائس: نهضة القداسة، والإيمان، والمثال المسيحي، وكنيسة الله.
[2] تُشير كلمتا “برهان” و”اقتناع” هنا إلى الترجمات المقترحة لكلمة “ἔλεγχος” (إِلِنْخُوس) اليونانيَّة في عبرانيين 11: 1، والتي تُعَدُّ الترجمة الأشهر لها في اللغة العربيَّة هي “الإيقان”، ولكنَّها تُتَرجَم في الترجمات العربيَّة الأخرى أيضًا “برهانًا” و”اقتناعًا”.