إن الختوم، والأبواق، والجامات السبعة المذكورة في سِفر الرؤيا هي رموز لدينونة الله النهائيَّة على الشعوب. ويحدد سفر الرؤيا كل رمز من هذه الرموز وما تُمثِّله. لكن قبل أن نُسترسل في حديثنا، دعني أوضح بعض الأمور الهامة بخصوص التفسير الكتابيّ.
عندما نَقرأ سِفر الرؤيا، نَجد بانوراما من الأحداث التي تَمتد بين المجيء الأول والثاني ليسوع. تُعرف هذه الفترة أيضًا في الكتاب المُقدَّس باسم “الأيام الأخيرة”.
بدلًا من قراءة السِفر باعتباره تقريرًا مُرتَّبًا زمنيًا لأحداث مُستقبليَّة بشكل حصري، يُمكننا أن نَقرأه باعتباره تقارير دوريَّة متوازية. توجد سبع دورات للرؤى في السِفر، ولكل منها موضوع مركزيّ (موضّح هنا بين قوسين):
- الأصحاحات ١-٣ (الكنائس)
- الأصحاحات ٤-٧ (الختوم)
- الأصحاحات ٨-١١ (الأبواق)
- الأصحاحات ١٢-١٤ (التنين)
- الأصحاحات ١٥- ١٦ (الجامات)
- الأصحاحات ١٧-١٩ (الزانية)
- الأصحاحات ٢٠-٢٢ (المدينة الجديدة)
كمِثال على التوازي الموجود في السِفر الذي يُظهر طبيعته التكراريَّة، نَجد تشابهات هامة في الدينونة السابعة في الختوم، والأبواق، والجامات. فمظاهر مثل البرق، والرعد، والزلزلة، وخصائص للمجيء الثاني، نجدها في نهاية كل مجموعة من مجموعات الدينونة هذه. وبالنظر إلى وصف الضيقة التي تقود إلى المجيء الثاني باعتبارها مُبتدأ الأوجاع [آلام المخاض] (متى ٢٤: ٨؛ يوحنا ١٦: ٢١؛ ١ تسالونيكي ٥: ٣)، نستطيع أن نرى أن سِفر الرؤيا يُظهر صورةً مُشابهة لذلك حيث تُمثِّل كل مجموعة من مجموعات الدينونة (الختوم، والأبواق، والجامات) تصعيدًا نحو النهاية:
“يوم الرب”
تَمتلئ أسفار أنبياء العهد القديم بنبوات عن “يوم الرب” في ارتباطه بدينونة الأشرار وإنقاذ القديسين (إرميا ٢: ٣٢-٣: ١، ١٦ب-٢١؛ عاموس ٥: ١٥، ١٨-٢٠؛ عوبديا ١٥، ١٧؛ صفنيا ٢: ٣؛ ٣: ١١، ١٦؛ زكريا ١٤). عند أي مرحلة في التاريخ سيحدُث “يوم الرب”؟ إن “يوم الرب” سيأتي في ختام “الأيام الأخيرة” (التي بدأت في أعمال ٢: ١٦) كما وصفَها يوئيل (يوئيل ٢: ٣٠، ٣١).
إن العلامات في السماوات هي علامة ورمز لدينونة الله النهائيَّة للشعوب (متى ٢٤: ٢٩؛ رؤيا ٦: ١٢-١٤). صَدَّق نص عبرانيين ١٢ على نبوة حجي ٢: ٦ وعلى تحقيقها النهائي (عبرانيين ١٢: ٢٦، ٢٧). لكن يجب ألا نَنظر إلى دينونة الله على أنها حدث مُستقبلي فقط. لقد تم إعلان دينونة الله في هذا العالم منذ طَرْدِ آدم وحواء من الجنة. لقد ظهرتْ دينونة الله بشكل خاص على خطيَّة شعبه المُختار، إسرائيل، في تاريخ العهد القديم.
الختوم السبعة: معانيها في الأناجيل وسِفر الرؤيا
نَجد في سِفر الرؤيا أن هناك ثلاث مجموعات تتكون من سبعة أحداث للدينونة (ومجموعة من رعود الدينونة ذُكرتْ في رؤيا ١٠: ٣، ٤). يَصف يسوع أيضًا دينونة الختوم في متى ٢٤ والمقاطع المُوازية لها من نفس الموعظة في الأناجيل الإزائيَّة:
من المهم رؤية أن أصحاحي متى ٢٤ و٢٥ يتعاملان مع دينونتيْن على عدم إيمان الشعوب. أولًا، تَوقَّع يسوعُ دمارَ هيكل أورشليم والذي حدثَ عام ٧٠ م، باعتباره دينونة الله على عدم إيمان إسرائيل، وباعتباره تأكيدًا على إعلان أو ظهور المسيا وذبيحته الكاملة (دانيال ٩: ٢٤-٢٧). يكشفان بعدها دينونة الشعوب في المجيء الثاني.
مثلما نَختبر في الحياة المسيحيَّة حقيقةَ “بالفعل وليس بعد” المُتعلِّقة بالفداء (لقد تَبرَّرنا بالفعل من الخطيَّة ومن قوتها، لكن الانتصار النهائي على الخطيَّة والموت ما زال أمرًا مُستقبليًا)، هكذا أيضًا دينونة الله لها جانب “بالفعل” (دمار هيكل أورشليم) وجانب “ليس بعد” (دينونة كل الشعوب). لقد بدأتْ دينونة الله بالفعل، لكنها لم تَنتهي بعد. ستزداد مثل “آلام المخاض” (متى ٢٤: ٨).
يُبدِّل المقطع بأكمله بين هاتين الدينونتيْن مع الأوصاف المُصاحِبة (أيّ الأوصاف تنتمي إلى أيّ نبوات هو مَحل الكثير من النقاش والجدال). مع ذلك، تُعتبر الارتدادات، والحروب، وأخبار الحروب، والأوبئة، والمجاعات، والزلازل، والاضطهاد (متى ٢٤: ٦-١٢) حقائق كانت موجودة دائمًا في حياة الكنيسة، وقادت الكثيرين إلى افتراض أنهم أخر جيل للمؤمنين قبل رجوع المسيح (حسب الزمان والمكان الذي تعيش فيه). مع ذلك، تُعد الدينونة النهائيَّة لعدم الإيمان مُجرد ختام الدينونة الأوليَّة لعدم الإيمان في أورشليم في عام ٧٠ م.
لذلك، يَجب تفسير تشديد النبوة على دينونة الله على أنها دينونة كانت قائمة على الدوام لكنها ستزداد حِدةً بينما تقترب نهاية هذا الدهر.
الأبواق السبعة والجامات السبعة في سِفر الرؤيا
كما رأينا في الجدول السابق، تُعد الختوم في سِفر الرؤيا موازية لنبوات يسوع من حيث ازدياد الدينونة في تاريخ الكنيسة. لكن يَجب تفسير رؤى الدينونة في سِفر الرؤيا على أنها إشارات رمزيَّة إلى العهد القديم. تُعتبر أحداث هذه الدينونة رمزيَّة، لأن طبيعة الأدب الرؤيوي طبيعة رمزيَّة. على سبيل المثال، نَجِد أن الأبواق والجامات مؤسَّسة على الضربات العشر لدينونة مصر في سِفر الخروج. يُظهر الشكل التالي بعض التوازي:
لاحظ أنه كما أن الدينونة على فرعون ومصر لم تُنتج توبة حقيقيَّة أبدًا، كذلك لا تُنتج دينونة الله في هذا الدهر توبة إطلاقًا من ناحية أتباع الوحش (رؤيا ٩: ٢٠؛ ١٦: ١١).
تُعتبر دينونة الله على الخطيَّة والموصوفة هنا دينونةً جزئيَّة، فقط لتَتضح خطورة الخطيَّة وعواقبها. يُعد المرض، والكوارث الطبيعيَّة، والموت تذكيرًا دائمًا بأن الله يأخذ الخطيَّة على مَحمل الجد وأن عواقبها مُدمِّرة. لكن أيّ ألم وحُزن تَتسبَّب فيه الخطيَّة في هذا الدهر لا يُقارَن بالعواقب النهائيَّة التي ستَتسبَّب فيها في الدينونة النهائيَّة التي ستَختَتِم هذا الدهر.
يُمكن لإعلان رسالة الإنجيل أن يكون حلوًا أو مُرًا
إن الكرازة برسالة الإنجيل تُمثِّل دينونة للذين يسمعونها ويرفضونها. تُوصَف هذه الدينونة بالطعم المُر للسِفر الصغير الذي أكله يوحنا، والذي يُوازي خبرة حزقيال (رؤيا ١٠: ٩، ١٠؛ قارن مع حزقيال ٢: ٨-٣: ٣). يُعتبر إعلان رسالة الإنجيل حلوًا للذين يستقبلون الرسالة باعتبارها كنزًا، ويُعتبر مُرًا للذين يرفضونها حتى الدينونة. نَجِد أن الحقيقتيْن عبر الكتاب المُقدَّس يتم اختبارهم بالتزامُن: الخلاص وَسط الدينونة (مثل: خروج ١١-١٥). نَجِد أن الحقيقتيْن يتم التعبير عنهما في سِفر الرؤيا ليَصِفا الحمل بصفته ذبيحةً وكذلك بصفته قاضيًا ديَّانًا، وليَصِفا قَطف الحصاد، أي فداء الباكورة ودَوْس معصرة غضب الله (رؤيا ٥: ٦-١٢؛ ٦: ١٦، ١٧؛ ١٤: ٤، ١٨-٢٠).
لذلك، فإن دينونة الله على العالم تَتزايد إلى أن تَأتي الدينونة النهائيَّة. نَرغب جميعنا في العدل في كل جريمة وظُلم تم ارتكابهما في التاريخ. هذا هو اشتياق وصلاة القديسين في رؤيا ٦: ١٠، وهو ما سيَتحقَّق في البوق السابع. لكن في نهاية أحداث الدينونة، سيُعلَن هيكل الله نازلًا إلى الأرض كأورشليم الجديدة، والذي يَعني أن الله سيَسكُن مع شعبه إلى الأبد (رؤيا ١١: ١٥-١٩).