البَدليَّة العقابيَّة قلب رسالة الإنجيل

بينما نقترب من عيد القيامة، يوجد دائمًا من يُقلِّب الوعاء اللاهوتيَّ؛ عن طريق رمي الشكوك حوْل موت يسوع على الصليب وقيامته من الأموات. في هذه المُناسبة، لم تُكتب الحُجَّة بقلم شخص مُلحد أو لا أدريٍّ أو مَسيحيٍّ بالاسم، لكن بقلم راعٍ لكنيسة.

تشاك كوين هو راعي كنيسة إيمانويل المعمدانيَّة، في فرانكفورت في كنتاكي، ولقد كتب مُستنكرًا بحسب كلماته العقيدة “الهرطوقيَّة” التي تُسمَّى الكفَّارة البَدليَّة العقابيَّة، قائلاً:

في الكنيسة التي أرعاها، نقوم بحذف بعض الأعداد من الترانيم بسبب تلميحات وإشارات إلى موت يسوع كبديل… يقود اللاهوت المسيحيُّ السيِّئ إلى حياة مسيحيَّة سيِّئة. إذا كان لأحدهم أيُّ شكٍّ في ذلك، ليُفكِّر فقط في نسبة تصويت الإنجيليِّين في الانتخابات الأخيرة. ثمانون بالمئة صوَّتوا لصالح ترامب.

هل البَدليَّة العقابيَّة عقيدة غير مسيحيَّة؟

يُصرِّح كوينز بأنَّ الكفَّارة البَدليَّة تنبُع من “منظور قديم وبدائيٍّ من نحو الله” والتي تتعارض مع المنظور الذي علَّمه وجسَّده يسوع الناصريُّ. مع أنَّه لا يُساوي صراحةً بين هذا “المنظور القديم والبدائيِّ من نحو الله” مع إله العهد القديم، لكن يصعُب التفكير في مَن سواه يُمكن أن يكون في ذهنه.

مع ذلك، إله العهد القديم هو نفسه إله العهد الجديد، وتُعدُّ البَدليَّة العقابيَّة مركزيَّة للكفَّارة في كلٍّ من العهد القديم والعهد الجديد.

كانت البَدليَّة العقابيَّة هي قلبَ ديانة الهيكل. تُعَدُّ فكرة أنَّه يُمكن لدم الحيوان أن يؤجِّل غضب الله فكرةً مركزيَّة لنظام الذبائح، وبأكثر وضوحًا في يوم الكفَّارة (انظر لاويِّين ١٦).

توجد البَدليَّة العقابيَّة صراحةً في قصيدة العَبد في إشعياء ٥٣، القصيدة التي تُقدِّم منظورًا عقابيًّا بدليًّا لكلٍّ من الكفَّارة وعمل العبد الذي اختاره الله. كذلك تقتبس الأناجيل الأربعة صراحةً أو تُشير ضمنيًّا إلى قصيدة العبد أكثر من أيِّ نصٍّ آخر من العهد القديم. كما يُلاحظ آر تي فرانس R.T France، إنَّ كلَّ مسار خدمة يسوع الأرضيَّة كما سجَّلها الكتاب المُقدَّس هي تجسيد للعبد المُتألِّم الذي تُوِّجت حياته بالصليب والموت، قبل أن تصل إلى الذروة في القيامة:

وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا،

مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا.

تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ،

وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا.

كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا.

مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ،

وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ

إِثْمَ جَمِيعِنَا. (إشعياء ٥٣: ٥، ٦)

تَظهر البَدليَّة العقابيَّة بشكل بارز في رسالة رومية حيث يصفها الرسول بولس بأنَّها تجاوب الله مع الذنب والغضب اللذيْن تسبَّب فيهما تمرُّدنا على الله. إنَّ نقطة التحوُّل العظيمة في رسالة رومية هي تفسير رسالة الإنجيل والموجود في رومية ٣: ٢١-٢٦، حيث يشرح بولس كيف أنَّ عطيَّة الله للبرِّ تأتي من خلال الإيمان بيسوع المسيح وبموته الكفَّاريِّ على الصليب. كما سجَّل جيه آي باكر J.I. Packer قائلاً:

“بالإضافة إلى كُتَّاب العهد الجديد الآخرين، يُشير بولس دائمًا إلى موت يسوع باعتباره الحدث المكفِّر، ويفسِّر الكفَّارة باعتبارها البديل التمثيليَّ؛ أي جعل البريء مكان المُذنب، نيابة عن المُذنب ولأجله، تحت سيف مُجازاة الله القضائيَّة”

هل الله لم يكُن بحاجة إلى ذبيحةً؟

يعتقد كوين أنَّ “يسوع لم يمُت لأنَّ الله كان بحاجة إلى ذبيحة. مات يسوع لأنَّ السُلطات أرادت قتله”. لكنَّ الكتاب المُقدَّس يُقدِّم شهادة مُختلفة.

قبل وبعد أحداث عيد الفصح، قال يسوع بأنَّه يجب أن يَموت.

قَائِلاً: «إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ يَتَأَلَّمُ كَثِيرًا، وَيُرْفَضُ مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ». (لوقا ٩: ٢٢)

في يوم الخمسين، شرح بُطرس أنَّه مع أنَّ البشر خطَّطوا لموت يسوع، لكنَّه أيضًا كان ضمن تصميم الله وخطَّته. ليس هذا فقط، إذ يصنع بُطرس روابط صريحة بين موت يسوع وقيامته مع وعود العهد القديم. وفي تأكيده ذنب البشر والقصد الإلهيِّ، يُخبر بُطرس الجموع قائلاً: “هذا الرجُل أُسلِم إليكم بخطَّة الله المُتعمَّدة وعلمه السابق؛ وأنتم قتلتموه بمُساعدة رجال أشرار، مُسمِّرين إيَّاه على الصليب.” (أعمال الرُسل ٢: ٢٩-٣٦)

هل البَدليَّة العقابيَّة مجرَّد تعبير مجازيٍّ؟

في مُحاولة أخرى لدحض البَدليَّة العقابيَّة، يؤكِّد كوين أنَّها تُستخدم بطريقة غير حَرفيَّة، “رُبَّما الخطوة الأولى في إنزال عقيدة رهيبة مثل هذه من على العرش هي مساعدة المسيحيِّين على إدراك أنَّ لغة الذبائح المُستخدمة في العهد الجديد هي رموز وتعبيرات مجازيَّة، لا ينبغي أن تؤخذ بمعني حَرفيٍّ”.

في واحدة من الأمثلة النادرة التي يستخدم فيها كوين الكتاب المُقدَّس، يقوم باقتباس متَّى ٢٠: ٢٨ لكي يُثبت حُجَّته: “كَمَا أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ.” بالنسبة إلى كوين، تُعدُّ هذه العبارة “فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ” تعبيرًا مجازيًّا، لكنَّ عبارة “ليَخْدِمَ” هي حَرفيَّة (بشكل مُلائم).

لكنَّ الإشارات إلى البَدليَّة العقابيَّة مُنتشرة في أنحاء الكتاب المُقدَّس كلِّه. كيف سيُفسِّر كوين نصَّ رومية ٣: ١٦-٢١، ورومية ٤: ٢٥، وغلاطيَّة ٣: ١٠-١٣، وبُطرس الأولى ٢: ٢١-٢٥، ٣: ١٨؟ ما نراه في هذه الآيات هو التفسير الإلهيُّ للأحداث التاريخيَّة. يُمكن أن توجد رموز وتعبيرات مجازيَّة –يوجد بالتأكيد جوانب مُختلفة يُسلَّط عليها الضوء– لكن لا يُمكن اختزال الكفَّارة إلى تلك الفئات؛ إنَّها حقيقة.

هل غيَّر قُسطنطين رسالة المسيحيَّة؟

يُقدِّم كوين إعادة كتابة غريبة للتاريخ عندما يقترح أنَّ البَدليَّة العقابيَّة تولَّت الصدارة بعد قُسطنطين. بينما من المُمكن إعطاء أمثلة لجانبي حُكم قُسطنطين إذ أعطى المسيحيُّون مكانة أكبر لعقائد فوق عقائد أخرى، تُظهر السجلاَّت التاريخيَّة أنَّ البَدليَّة العقابيَّة كانت تُعامل على أنَّها أساسيَّة قبل فترة قُسطنطين، ليس فقط بواسطة كُتَّاب العهد الجديد، بل أيضًا لدى آباء الكنيسة المُبكِّرة. يَكتب يوستينوس الشهيد قبل قُسطنطين بقَرْنين من الزمان قائلاً:

“وإن كان الله الآب أراد لمَسيحه أن يأخذ على نفسه لعنة الجنس البشريِّ كلِّه، عالمًا أنَّه سيُقيمه ثانيةً بعد صلبه وموته، فلماذا تتَّهمون من احتمل هذه الآلام حسب إرادة الآب بأنَّه إنسان ملعون، بدلاً من أن تَحزنوا على خطاياكم؟” (حوار مع تريفون اليهوديِّ، الفصل الخامس والتسعون)

البَدليَّة العقابيَّة والحياة المسيحيَّة

يعتقد كوين أنَّ البَدليَّة العقابيَّة لا تقدر أن تُغيِّر الحياة المسيحيَّة. إنَّها “تُقلِّص الخلاص إلى إجراء قانونيٍّ لا علاقة له بالتغيير الفعليِّ للفرد.”

إنَّ الهجوم على كلٍّ من المسيحيَّة التاريخيَّة والمُعاصرة بهذه الطريقة أمرٌ مُخزٍ.

  • ماذا عن تشارلز سبرجن الذي أصرَّ على مركزيَّة البَدليَّة العقابيَّة، والذي أنتجت خدمته مُنظَّمات تهتمُّ بأفقر الناس في لندن، وبمن فيهم من أيتام.
  • ماذا عن تيم كِلر الذي تُعطي شبكة كنيسته المُصلَحة الأولويَّة لبرامج الرحمة والعدالة جنبًا إلى جنب مع البَدليَّة العقابيَّة؟
  • ماذا عن جون ستوت؛ الذي ربَّما هو أشهر مُدافع عن البَدليَّة العقابيَّة في القرن العشرين؟ كان ستوت مسؤولاً عن حركة لوزان العالميَّة وكان معروفًا بدعوته للمسيحيِّين إلى الانخراط في خدمات العدالة الاجتماعيَّة.

إنَّ الإيمان بإله عادل؛ الذي هو غاضب تجاه الخطيَّة (وفي النهاية هو غاضب تجاه الخُطاة)؛ الذي هو يحكُم بعدل –هذا الإيمان لا يُنتج (أو لا ينبغي أن يُنتج) مسيحيِّين يُطلقون الأحكام على الآخرين. لقد أنتج ذلك الإيمان عديدًا من الرجال والنساء المُحبِّين والشغوفين والمُهتمِّين برؤية أن يعرف جيرانهم أيضًا الإلهَ العادل الذي يُخلِّص.

المشكلة الكبرى في أطروحة كوين

في النهاية، كما يعترف كوين، فإنَّ البَدليَّة العقابيَّة لا تعكس منظوره عن الله:

“إنَّ المُشكلة الرئيسيَّة في الكفَّارة البَدليَّة هي طريقة تصويرها لله. إنَّ هذا التفسير لموت يسوع يجعل الله مصدرًا للعُنف الفدائيِّ. اشترط الله موتًا عنيفًا لكي تتمَّ الكفَّارة. اشترط الله أن يموت ضحيَّة بريء لكي يُرضي إحساسه بالكرامة الذي تمَّت إهانته أو دفع عقوبة فَرَضها الله. أيُّ عدالة هذه أو أيُّ إله هذا؟ هل يُمكن للوالد المُحبِّ أن يجعل الغُفران للطفل مشروطًا بفِعْل عنيف؟”

“لكنَّ إله يسوع غير العنيف لا يتوافق مع الإله الذي يجعل فِعل عُنف بشع مُتطلَّبًا إلهيًّا للكفَّارة.”

هذه هي القضيَّة الحقيقيَّة. يأتي كوين بوجهة نظر مُسبَّقة عن الله، وبعدها يُحاول ثَني وتشكيل بل وحتَّى إزالة أجزاء من الكتاب المُقدَّس والتي لا تتوافق مع وجهة النظر تلك. ما يتبقَّى هو صورة من صُنعه والتي يعبُدها ويدعوها الله. إنَّ إلهه غير العنيف لا يأخذ في الحُسبان أفعال يسوع في الهيكل حيث قام جسديًّا بطرد الباعة المحلِّيِّين والصيارفة. يتجاهل إلهه غير العنيف إله الحرب في العهد القديم. إنَّ إلهه غير العنيف لا يسمح لبولس بأن يكتُب للمسيحيِّين: “لاَ تَنْتَقِمُوا لأَنْفُسِكُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، بَلْ أَعْطُوا مَكَانًا لِلْغَضَبِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «لِيَ النَّقْمَةُ أَنَا أُجَازِي يَقُولُ الرَّبُّ.”

إنَّ العالم يحتاج إلى إله قويٍّ وصالح ويُعاقب على الخطأ وأيضًا يستطيع أن يُظهر رحمته تجاه المُخطئين.

أربعة آراء بشأن البَدليَّة العقابيَّة

كتبتُ منشورًا منذ عامين، وفيه عرضت أربعة آراء أساسيَّة بشأن البَدليَّة العقابيَّة. أنا أقدِّر أنَّ هذه تعميمات، ويُمكن أن تكون تُهمة أنِّي أقع في مُغالطة رَجُل القشِّ تُهمة مُلائمة، إذا تمَّ تجاهُل حقيقة أنِّي أعرف أشخاصًا يتناسبون مع كلِّ واحدة من هذه المجموعات. رغم خطر عمل تعميمات، أعتقد أنَّ هذه الآراء لها ما يدعمها ويُمكن أن تُقدِّم بعض الوضوح لهذا الموقف.

أوَّلاً، الذين يُنكرون الكفَّارة البَدليَّة العقابيَّة.

توجد مجموعتان من الناس ينتمون إلى هذه الفئة: الذين يرفضون فكرة أنَّ البَدليَّة العقابيَّة مُؤكَّدة في العهد الجديد، وأولئك الذين يعتقدون أنَّ العهد الجديد يُعلِّم بها لكن قرَّروا أن يَرفضوا ذلك الجُزء من الكتاب المُقدَّس. توجد بالتأكيد مجموعات فرعيَّة أكثر: الذين لديهم مشكلة مع مفهوم البدليَّة وأولئك الذين يَرفضون كلمة “العقابيَّة”.

ثانيًا، الذين يَقبلون تعليم الكتاب المُقدَّس بشأن البَدليَّة العقابيَّة، ويؤمنون بأنَّها ضروريَّة لكنَّها ليست المركز.

إنَّهم يفهمونها باعتبارها أحد جوانب الكفَّارة ويرفضون فكرة أنَّها المفهوم المركزيُّ الضروريُّ للكفَّارة.

ثالثًا، الذين يَقبلون تعليم الكتاب المُقدَّس بشأن الكفَّارة البَدليَّة العقابيَّة، ويؤمنون بأنَّها مركزيَّة، لكنَّهم يؤمنون بأنَّ الجوانب الأخرى للكفَّارة تمَّ التقليل من شأنها وتحتاج إلى إعادة اكتشاف وأن تُعطَى التركيز المُناسب.

أن يستكشف المرء أبعادًا أخرى للكفَّارة لا يعني إنكار البَدليَّة العقابيَّة، لكنَّه استعادة جمال تلك الجوانب التي أحيانًا ما تكون مُختفية. بالطبع، توجد أمور أخرى بخصوص خدمة المسيح غير الكفَّارة: يوجد عمله قبل التجسُّد، وتجسُّده، وحياته، وقيامته، وصعوده، وتشفُّعه، ومجيئه الثاني والدينونة الملوكيَّة التي سيقوم بها.

رابعًا، الذين يَقبلون تعليم الكتاب المُقدَّس بشأن الكفَّارة البَدليَّة العقابيَّة لكن يُقلِّلون من شأن الجوانب الأخرى للكفَّارة.

من الصعب رؤية كيف يُمكن الدفاع عن الرأي الأوَّل ضمن المسيحيَّة المُستقيمة: إنَّ البَدليَّة العقابيَّة مُرتبطة بشكل مُعقَّد بعديد من العقائد المسيحيَّة. إنَّ تشاك كوين هو مثال على: الإله الذي يُعاد تشكيله على صورة أفكار الإنسان الشخصيًّة –الإله الذي لن ولا يستطيع أن يسمح بالبَدليَّة العقابيَّة– وهو ليس إله الكتاب المُقدَّس.

إنَّ الرأي الثاني إشكاليٌّ لأنَّ الكتاب المُقدَّس يعتبر أنَّ البَدليَّة العقابيَّة أساسيَّة. يوجد عديد من أوصاف رسالة الإنجيل الموجودة في الكتاب المُقدَّس والتي لا تتحدَّث صراحةً عن البَدليَّة أو العقاب، لكن بالطبع لا يوجد عرض لرسالة الإنجيل يقول كلُّ شيء. ومع ذلك، يوجد ثِقَل واضح يُعطَى للطبيعة البَدليَّة لموت يسوع والذي يسترضي الغضب العادل للإله العادل.

عندما يتعلَّق الأمر بموضوعات مثل الدفاعيَّات والكرازة، نادرًا ما سنبدأ بالبَدليَّة العقابيَّة، رغم أنَّه ربَّما توجد مُناقشات فيها من الممكن أن نبدأ بها. عندما تأكل تفاحة، فإنَّك لا تبدأ باللُّبِّ، بل بالقشرة ثمَّ الألياف، وفي النهاية تصل إلى اللُّبِّ. سترتبط جوانب مُختلفة لرسالة الإنجيل مع بعض الناس بسرعة أكثر من غيرهم. على سبيل المثال، سيكون للمُصالحة مغزى أكبر للناس في مجتمعنا من الفدية أو انتصار المسيح؛ مع ذلك، بغضِّ النظر عن مِن أين نبدأ، فإنَّنا سنحتاج في مرحلة ما أن نُحلِّل قضايا تُناقشها البَدليَّة العقابيَّة.

إنَّني أتساءل إذا لم تكمُن المشكلة في البَدليَّة العقابيَّة لكن في عدم بذل المُفكِّرين المسيحيِّين لمجهود كافٍ ليشرحوا كيف تربط كلَّ جوانب الحياة والمجتمع والعالم (أنا أفكِّر في خدمتي أكثر من أيِّ شيء آخر).

يُمكن فَهْم الرأي الرابع عندما يخدم المرء في سياق تُهاجَم فيه الكفَّارة البَدليَّة العقابيَّة، لكن في الدفاع عن حقيقة إحدى العقائد يجب علينا أن نكون حذرين من إهمال أحد المفاهيم الكتابيَّة للصليب.

يُمكن أن يُصبح الرأي الرابع في النهاية إنجيلاً مُتقلِّصًا. إذا كنَّا نَعظ فقط عن الجانب العقابيِّ للصليب، فإنَّنا سنفوِّت العجائب الكاملة للكفَّارة، وسنكون كذلك مُتَّهمين بتطبيق الكتاب المُقدَّس بشكل سيِّئ. إذا لم نتحدَّث أبدًا عن البَدليَّة العقابيَّة فإنَّنا سنكون مُتَّهمين بتقديم رسالة الله بشكل سيِّئ، وإذا أهملنا تلك الجوانب الأخرى فإنَّنا نجوِّع كنائسنا ونهدم جسورًا قائمة بيننا وبين الأشخاص في حين أنَّه ينبغي علينا أن نكون مُشيِّدين لها. إذا كان نقد تشاك كوين موَجَّهًا إلى من يُمثِّلون الرأي الرابع، فإنَّه سيكون لقَلقه بعض الشرعيَّة، مع ذلك فإنَّه يتمادى إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، ويضع نفسه بثبات في فئة الرأي الأوَّل.

إنَّ الرأي الثالث هو حيث ينبغي أن نجد أنفسنا. إنَّ البَدليَّة العقابيَّة هي في قلب الكفَّارة، ولذا هي في قلب رسالة إنجيل يسوع المسيح، ومع ذلك يوجد جوانب أخرى والتي يؤكِّدها الكتاب المُقدَّس في جمال وبقوَّة، وتحتاج إلى أن تُقدَّم بالتفصيل لنتمكَّن من الانخراط بشكل صحيح مع الناس ونُشجِّع كنائسنا. أَوَدُّ أن أجادل بأنَّ الوعْظ عن كلِّ جوانب الكفَّارة، بينما تظهر في النصوص الكتابيَّة، سيصنع منَّا واعظين أفضل. هذا يتطلَّب تفكيرًا موضوعيًّا عميقًا في كلٍّ من النصِّ وثقافتنا، وبينما توجد بعض الأجزاء في فكرنا اللاهوتيِّ والتي يَسهُل إيصالها لثقافتنا أكثر من أجزاء أخرى، فإنَّنا سنبدأ من حيث نبدأ وسنسعى أن نَصحب الناس إلى رؤية عجائب الله في المسيح الذي مات من أجلنا، بدلاً عنَّا، لننال غُفرانًا لخطايانا، ونتصالح مع الله، ونُصبح أولاده بالتبنِّي.

الخاتمة

إذًا، هل يُعلِّم الكتاب المُقدَّس ويؤكِّد البَدليَّة العقابيَّة؟ الإجابة البسيطة هي نعم، في كلٍّ من العهد القديم والجديد. إنَّ لُغة وصورة وأفعال البَدليَّة العقابيَّة موجودة في منعطفات مُفتاحيَّة في كلٍّ من العهدين –وخصوصًا في موت يسوع المسيح على الصليب.

هل نؤمن ونثق بشرح الله للخلاص؟

إنَّ وظيفة القصِّ واللصق اللاهوتيَّة التي قام بها تشاك كوين تُميِّز رائحة الموت التي هي الليبراليَّة اللاهوتيَّة، والتي تستمرُّ في تعذيب وتدمير الكنائس حوْل العالم الغربيِّ. إنَّه يقوم بفعل عنيف تجاه كلمة الله، ويُجرِّد الأخبار السارَّة المُتعلِّقة بيسوع المسيح من قوَّتها. ليس من المُفاجئ أن نعرف أنَّ كوين يصف نفسه بالـ “شموليِّ”. إنَّ الذين يرفضون البَدليَّة العقابيَّة يفعلون ذلك ضدَّ شهادة الكتاب المُقدَّس، ولذلك من المحُتَّم أن تُرمَى تعاليم مسيحيَّة أخرى أيضًا في سلَّة المهملات. في النهاية، تُصبح المسيحيَّة ديانة أخلاقيَّة أخرى والتي تتمحور حوْل ما يجب أن نَفعله –بدلاً من الأخبار السارَّة المُتعلِّقة بما فعله الله من أجلنا في موت المسيح.

في عيد القيامة القادم في كنيسة مينتون المعمدانيَّة، سنُرنِّم كلَّ أعداد ترنيمة ‘In Christ Alone’، في المسيح وحده)، وبفرح سنشكُر الله على تجسُّد وحياة وموت الربِّ يسوع الكفَّاريِّ، وقيامته، ومجيئه الموعود.

فَإِنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا تَأَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ أَجْلِ الْخَطَايَا، الْبَارُّ مِنْ أَجْلِ الأَثَمَةِ، لِكَيْ يُقَرِّبَنَا إِلَى اللهِ.” (بطرس الأولى ٣: ١٨)


نُشرت نُسخة أطول من هذا المقال في الأصل على موقع murraycampbell.net

شارك مع أصدقائك

خدم كراعي لكنيسة مينتون المعمدانية بولاية ملبورن الأستراليّة، ويعمل حاليًا كمحرر في ائتلاف الإنجيل النسخة الأسترالية (TGC Australia).