السلطة تُفسِد، والسلطة المُطلَقة مَفسَدة مُطلَقَة. لقد سمعت هذه الحِكمة مُنذ صغري، واستخلصت منها أن السُلطة إذا ما صاحبها الكبرياء، ستكون هي السبب الرئيسي في سقوط القادة.
واليوم، بعد ثمانية وعشرون عامًا في مجال الخدمة المسيحية، منها عشر سنوات كراعٍ لكنيسةٍ كبيرة، اُدرك أن الديناميكيّة الطبيعيّة للقيادة تجذبنا وتغوينا نحو المزيد من الفساد.
أربع مخاطر
فعوضًا عن أن يَخدم القادة الآخرون، كثيرًا ما يَخدمون أصنام السُلطة والرفاهيّة والسيطرة. كما أن تأثيراتها تجعلنا أكثر عُرضة لأن نكون فاسدين لأربع أسباب على الأقل:
السلطة إدمان ومُخيّبة للآمال.
المسؤولية مُرهِقة.
الرفض مخيف والقبول مغري.
التعقيدات مُحيّرة.
يمكننا مواجهة كل هذه الأمور في نفس الوقت وبنفس القرار. فكيف نحمي أنفسنا من هذا الفساد؟ الإجابة هي عبر المساءلة. فلطالما كانت المساءلة هي الضمانة ووسيلة حمايتنا، لكن علينا أن نواجه الأمر بصراحة: حتى أفضل الضمانات لن تنجح، طالما كُنّا غير جاديين وغير راغبين في التغيير.
فما الذي يمكن فعله لكي نكون قادرين على الصمود أمام القوّة الآكلة للقيادة؟ هناك من واقع خبرتي، عدّة عناصر بالغة الأهميّة للدفاع المنيع ضد فساد القيادة.
1. لا تعتبر الأساس الروحيّ مؤهِلًا أساسيًا للقيادة
إن كلام الرسول يعقوب في 1:3 واضح جدًا: لا ينبغي أن يكون كل مؤمن مُعلِّما أو قائدا. يشمل التقييم الكتابيّ على عدم تشجيع شخص ما (بما في ذلك أنت!) على تولي منصب قيادي دون أن يكون لديه بعد الأساس الروحيّ الذي يجعله يتحمّل ضغوط وإغراءات المنصب.
2. لا تُشدّد على التقديس وإنما بتنمية مهارات القيادة فقط
في أيام دراستي في كليّة اللاهوت، كنا نتوافد على مؤتمرات القيادة وكان يقال لنا أن نقرأ دائمًا كتابًا واحدًا على الأقل عن القيادة. كانت هذه الكتب مفيدة بعض الشيء.
ولكن في هذه الأثناء، واجهني الكتاب المقدس وآباء الكنيسة ورجال مثل جون أوين وجون ويسلي بمفاهيم كالإماتة والقداسة والتي تجاوزت مفهوم التقديس كمكانة الذي كان مألوفًا بالنسبة لي بسبب خلفيتي كمؤمن بالفكِر المَصلَح.
بدأت أُدرِك أنني يجب ألا أترك خوفي من البر الذاتي يمنعني من السعي وراء البر الحقيقي. فلا سبيل سوى للتقوى للوقوف ضد الجسد والإغراءات المتكررة القادرة على إفساد القادة (متى 6:5؛ تيموثاوس الأولى 8:4).
3. قم بإهمال بالجروح القديمة
لقد رأى الرب أنه من المناسب أن يجعل من عواطف ومشاعر البشر أكثر تعقيدًا. فكم من مشاكل صحيّة مُتجذِّرة في جروح قديمة وتُعَطّل النمو الروحيّ. إن جروح أرواحنا المُهملة يمكن أن تُنشئ مخابئ للجسد تغفلها ذواتنا الواعية أو تتجاهلها. إذا كنا نريد للكنيسة أن تُقاد بشكل جيد، يجب علينا أن نساعد الناس على تخطي هذه الجروح بطُرُقٍ صحيحة بحسب الإنجيل.
وقد يعني هذا تخصيص جزء من أموالنا الشخصيّة أو أموال الكنيسة لضمان حصول القادة والخُدّام المُتفرغِين على المساعدات التي يحتاجونها لمواجهة المُشكِلات المُتَعَلِقة بالهَجر، والصدمات، والاعتداءات الجنسيّة، والتفكك الأسري، والاكتئاب الذي لا يمكن تفسيره، وما إلى ذلك. علينا أن نستبق الأحداث وأن نستثمر في ذلك الأمر، قبل أن يقوم أحد القادة بعملٍ يؤدي إلى انقسام الكنيسة أو إحداث فتنة. وهذا يعني ايضًا انه يجب علينا البحث عن مُشيرين ومُرشدين روحيين ذو كفاءة عالية ودعمهم – وعدم الشكوى من أن هذا ليس ضمن ميزانية الكنيسة.
4. تشبث بالقيادة
يقول البعض أنه إذا لم تتمكن من الانسحاب أمام شيء ما، فقد خسرته بالفعل! وبالمثل، إذا لم تستطع أن تجازف بفقدان مركزك القيادي من أجل الحفاظ على نزاهتك كوكيل أمين للسيد، فأنت لست حرًا.
إذا كان هناك وقت يتَطَلّب فيه إطعام خراف الرب وحمايتها تحت رعايتنا أن نخسر مركزنا القيادي، فهذا شيء مجيد ومُبَارك. فأن تكون على استعداد (على الصعيد العاطفيّ والعمليّ) أن تتخلّى عن مركزك القياديّ، سينتج عن هذا حرية وتسامي لا تُقدّران بثمن يجعلان من المرء إما أن يكون “مكرسًا للكرامة أو محرومًا منها،” كما كتب القديس سوحنا ذهبي الفم في كتابه “في الكهنوت”.
5. لا تتعاطف بحرصٍ
كلما فهمنا أكثر عن حِمل القادة الثقيل، وتجارب الفساد التي يوجهونها، كلما ازدادنا يقظة ودعمًا لهم، واستثمارًا في المساءلة والتجديد.
لقد وضعت الكنيسة التي أرعاها في صميم أولوياتها الاستثمار في صحة قادة الكنائس في منطقتنا.
من وكيف
إذا كنت تقرأ هذه المقالة، فربما تكون مُحبَطًا من نفسك أو من القادة حولك. في عصر نشعر فيه بالإحباط بسبب الأخبار الكثيرة حول سقوط قائد تلو الآخر، قد نسأل أنفسنا، من سينقذني من جسد الموت هذا؟ (رومية 24:7).
أنا لست ضد المساءلة أو التدريب على القيادة أو تمكين القادة الشباب. بالأحرى، أنا ادعو إلى إعادة التقديس إلى مكانه الصحيح باعتباره أملنا الحقيقي الوحيد في الشفاء، وأن المسيح المصلوب والمُقام من بين الأموات هو القائد الوحيد غير الفاسد في تاريخ كنيسته، وبروحه – الذي يعمل في أماكن الأنين العميقة جدًا التي يتعذر علينا فهمها، ويصرخ إلى الآب طالبًا قدرته لجعلنا متوافقين مع ابنه.
إن فهم كيف تمزقنا توجعنا القيادة يجب أن تُخلق في داخلنا يقظة وتعاطف. متذكرين كلمات الوعد الذي لا يحظى بالتقدير الكافي: “طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَالْعِطَاشِ إِلَى الْبِرِّ، لأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ.” (متى 6:5).