معرضُ القاهرةِ الدُولي للكتابِ هو فرصةُ للتعرّفِ على أحدثِ الإصداراتِ في المجالاتِ المختلفةِ والحصولِ على خصوماتٍ كبيرةٍ على الكتبِ المعروضةِ. وقد يحارُ القارئُ المسيحي أو أيُ شخصٍ مُهتم بالشأنِ المسيحيّ أمامَ كلِ هذا الكمِ الهائلِ من الكتبِ المعروضةِ.
هذا المقالُ هو محاولةُ بسيطةُ لمساعدتِك إن كنتَ قد قررتَ أن تبدأَ في هذه السنةِ الجديدةِ علاقةَ مختلفةَ مع القراءةِ (وبالمناسبةِ لن تندمَ على ذلك). سأحاولُ فيها وضعَ أهمَ خمسِ كُتُبٍ يمكن أن تبدأَ بها تأسيسَ مكتبتِك الخاصَّةٍ.
1. اللاهوت النظامي
المقصودُ بكتبِ اللاهوتِ النظامي أنها الكتبُ التي تهتمُ بدراسةِ العقائدِ المسيحيَّةِ المختلفةِ وتسردها بصورةٍ نظاميَّةٍ متماسكةٍ. ففيها تجدُ الدراسةَ عمَّن هو اللهُ وطبيعتُهُ، والروحُ القُدُسُ وعملُهُ، وعلمُ الكنيسةِ، والأخروياتِ، وهكذا.
كتبُ اللاهوتِ النظامي المتاحةُ باللغةِ العربيَّةِ قد تتعدَّى العشرين كتابًا، ولكن يبقى السؤالُ، إيُّهُم هو الأهم في مرحلةِ تأسيسِ مكتبةِ جديدةِ؟
سيكونُ الفصلُ شديدَ الصعوبةِ بين كتابين هامَّين مثل “كلُّنا لاهوتيُّون” للدكتور أر. سي. سبرول، وبينَ كتاب “موجزُ علمِ اللاهوتِ” للعلَّامةِ جي. أي. باكر. فسبرول وباكر يتميَّزان بعمقِ الدراسةِ ومحبَّةِ كلمةِ اللهِ، إلَّا أن الكتابين هنا هما “موجز”، فلن تجدَ فيهما أيةَ دراسةِ متعمِّقةِ حولَ أيِ موضوعٍ.
لذلك سيقعُ اختياري على الكتابِ الأشهرِ والأعمقِ للدكتور واين جرودم: “بماذا يفكرُ الإنجيليُّون في أساسيَّات ِالإيمانِ المسيحي”، الذي قامت بنشرهِ في اللغةِ العربيةِ دارُ نشرِ “إيجلز” في ثلاثةِ أجزاءٍ، كلُ جزءٍ منهم يتخطَّى الـثلاثمئةَ صفحةَ. واحدةُ من مميِّزاتِ كتابِ جرودم الكثيرةِ هي قدرتهِ على شرحِ الآراءِ المختلفةِ بعمقٍ وحياديَّةٍ وقوَّةٍ، ثم تقديمِ وجهةِ نظرِهِ.[1]
2. كتب المداخل والخلفيَّات والمقدِّمات للعهد القديم
أعتقدُ أن هناك فقرٌ شديدٌ في هذا المجالِ في المكتبةِ العربيَّةِ. وعليهِ سيقعُ اختياري على كتابِ “مدخلُ العهدِ القديمِ” لجون درين. ولا حاجةَ لمقارنةِ هذا الكتابِ بغيرِهِ في المكتبةِ العربيةِ، لأن بقيَّةَ الكتبِ ضعيفةُ نسبيًا.
الكتابُ من القطعِ الكبيرِ، تخطَّى الـ ثلاثمئة وخمسين صفحةَ، إصدارُ دارِ الثقافةِ بمصرَ، وبِهِ رسوماتٌ إيضاحيَّةٌ، يتناولُ شرحًا وافيًا للخلفيَّاتِ التي تحتاجُ إليها لفَهمِ العهدِ القديمِ.[2]
3. كتب المداخل والخلفيَّات والمقدِّمات للعهد الجديد
الوضعُ بالنسبةِ للعهدِ الجديدِ مختلفٌ اختلافًا كبيرًا عن كتبِ العهدِ القديمِ، فهنا أستطيعُ أن أُفاضلَ بينَ أكثرِ من كتابٍ، ولن يقعَ هنا اختياري على الجزءِ الثاني أو كتابِ “مدخلُ العهدِ الجديدِ” لجون دارين. ستكونُ المنافسةُ بينَ “مقدِّمةُ العهدِ الجديدِ” بجزأيهِ لديفيد د. سيلفا، وبينَ ثلاثةِ أجزاءِ “العهدُ الجديدُ يتكلَّمُ” للدكتور مارك آلان باول.
بكل تأكيدٍ هناكَ أشياءٌ تُميِّزٌ كلَ كتابٍ عن الآخرِ، وأشياءُ توجدُ في أحدهما دون الآخر. أنا أعي تمامًا أن المقارنةَ بين سيلفا وآلان باول ليست عادلةً، لكن اختياري سيقعٌ على كتابِ آلان باول. فكتابُ د. سيلفا سيكونُ عميقاً ومعقَّداً إلى حدٍ كبيرٍ، إذ أنه موجهُ في الأساسِ للقارئ الأكاديمي بينما كتابُ آلان باول سيكونُ مُحدَّدً وهادف.
4. كتب التفاسير
لعقودِ كثيرةٍ افتقرت المكتبةُ العربيَّةُ لأيةِ تفاسيرٍ تأخذُ على عاتقها تفسيرَ الكتابِ المقدسِ بصورةٍ مُصلحةٍ، وتربَّعَ على عرشِ التفاسيرِ كتبُ التفاسيرِ التدبيريَّةِ.[3]
إن كنتَ تتبعَ الفكرَ التدبيري فسيكونُ ترشيحي لك هو كتاب “تفسيرُ الكتابِ المُقدَّسِ” لجون ماك آرثر. هو ليس تفسيرًا متعمِّقًا، لكنَّهُ عبارة عن بعضِ الملاحظاتِ التفسيريةِ على بعضِ النصوصِ، بالإضافةِ إلى خلفيَّةٍ تاريخيَّةٍ ممتازةٍ في بدايةِ كل سفرِ.
أمَّا إن لم تكن تدبيريًّا، فـ “التفسيرُ الحديثُ للكتابِ المُقدَّسِ”، إصدارُ دارِ الثقافةٍ، سيكونُ العملَ الأهم – من وجهةِ نظري – لتفسيرِ الكتابِ المُقدَّسِ المتاحِ باللغةِ العربيَّةِ. إلَّا أن كلمة “متاح” هنا ليست في محلِها، فمعظمُ كتبِ التفسيرِ الحديثِ نفدت ولا يُعادُ طبعها، وستجدُ القليلَ منها فقط.
وعليهِ يمكنكَ التقاطَ ما تبقَّى من التفسيرِ الحديثِ في معرضِ الكتابِ، مع تجميعِ بعضِ التفاسيرِ من سلسلةِ “الكتابُ المُقدَّسُ يتحدَّثُ اليومَ”، لدارِ النشرِ الأسقفيَّةِ. ولو استخدمتَ كتابَ ماك آرثر أيضًا ستجدهُ مفيدًا في أجزاءِ كثيرةٍ.
5. كتب تاريخ الكنيسة
كتبُ تاريخِ الكنيسةِ هي الكتبُ المعنيَّةُ بسردِ أحداثِ التاريخِ الكنسي من نشأةِ الكنيسةِ وحتى التاريخ الحديث. واحدةُ من ضمنِ مشاكلِ هذه النوعيَّةِ من الكتبِ هي الخلطُ بين التأريخِ ووجهةِ نظرِ المؤلفِ. لذلك يُفضَّل أن يتمَ دراسةِ التاريخِ من أكثرِ من مصدرٍ (واضحٌ أن هذا هو حالُ كلِ شيءٍ وليسَ التاريخُ وحدَهُ!).
على مدى عقودٍ كان كتابُ “تاريخُ الكنيسةِ” بأجزائهِ الكثيرةِ لجون لورمر، إصدارُ دارِ الثقافةِ، هو الكتابُ الأهم، إلى أن نفذت نسخُهُ هو الآخر كحالِ “التفسيرُ الحديثُ”، وأصبحَ من يقتني نسخةَ منها كمن يقتني كنزًاً يخشى أن يفقدَهُ!
ولكن تفضّلَ الناشرُ في السنواتِ الأخيرةِ بإعادةِ طبعِ أجزاءٍ من الكتابِ في شكلٍ مختلفٍ، مع طباعةِ كتابٍ آخرٍ وهو “نظرةُ عامَّةُ على تاريخِ الكنيسةِ”، لمايكل باركر. صحيحٌ أن هذا الكتابَ يقدمُ “نظرةً عامةً”، إلَّا أن صفحاتَهُ تعدت الـخمسمئةَ صفحةَ.
ولكن اختياري سيكون في صالحِ كتابِ جون لورمر، إن استطعتَ الحصولُ على كل أجزائهِ في الطبعةِ الجديدةِ. أعتقدُ أنَّه سيكونُ شاملاً بشكلٍ أكبرِ من كتابِ باركر.
6. كُتَّاب مميَّزون
من غيرِ المعقولِ أن تذهبَ إلى معرضِ الكتابِ ولا تقتني كتابًا أو أكثرَ لأحدِ هؤلاءِ الكُتَّابِ المميَّزين الذين أرغبُ بشدةِ على تشجيعكِ على اقتناءِـ، بل وقراءةِ كتبِهِم. فكرتُ في تسميةِ هذا القسم ِ”كتبُ روحيَّةُ” إلا أن هذه التسميةَ تهدرٌ حقَ بقيَّةِ الكتبِ التي ذكرتُها سابقًا، فكلُ تلك الكتبِ (المداخلُ واللاهوتُ النظاميُ، وتاريخُ الكنيسةِ، وغيرها) هي كتبُ روحيَّةُ في المقامِ الأولِ.
جون بايبر: بالنسبةِ لي يُعتبرُ ق. جون بايبر. هو كاتبي المفضَّل، من يستطيعُ أن يُكلِّمَ عقلي ويشعلَ قلبي بمحبَّةِ اللهِ. سيَصدرُ له هذا العام (أتمنَّى في معرضِ الكتابِ) العملُ الضخمُ “Providence” إصدارُ خدمةِ الصورةِ. وستجدُ له العديدَ من الكتبِ الأخرى مثل: “لا تُضيع حياتَك”، “النعمةُ المستقبليَّةُ”، “لتفرح الأممُ”، وبالطبعِ “الاشتياقُ إلى اللهِ”.
بول ديفيد تريب– إن كنتَ ممن يعشقونَ قراءةَ كتبِ المشورةِ، ولم تسمع عن هذا الاسمِ من قبلِ، فربَّما حانَ الوقتُ لتبحرُ في آفاقٍ جديدةٍ مع تريب في عالمِ المشورةِ.[4]
تريب ماهرٌ جدًّا في تقديمِ المشورةِ من كلمةِ اللهِ وبالاتِّكالِ على نعمتِهِ. إن أردتَ أن تختارَ كتابًا واحدًا لتريب (وهي مهمَّةُ صعبةُ جدًّا) فأرشِّحُ لك واحدَ من أفضلِ الكتبِ التي قرأتُها على الإطلاقِ وهو كتابَ “أدواتٌ بين يدي الفادي” (الناشرُ مكتبة ُالمشورةِ الكتابيَّةِ). وبالمناسبةِ، لبول تريب أخٌ أكبرُ منهُ وهو “تيد تريب”، وتيد له كتابٌ في نظرِ الكثيرينِ هو أهمُ كتابٍ عن تربيةِ الأطفالِ على الإطلاقِ: “ارع قلبَ طفلِكَ”.
أر. سي. سبرول: أو “اللاهوتيُ والمدافعُ والفليسوفُ” والذي له الآن في المكتبةِ العربيَّةِ العديدُ من الكتبِ من ضمِنها سلسلةُ “أسئلةٌ مصيريَّةٌ”، الناشرُ خدمةُ “ذهنٌ جديدٌ”. يمكنكَ اقتناءُ أكثرَ من كتابٍ بسعرٍ مناسبٍ، لتستمتعَ بإجاباتِ سبرول عن الأسئلةِ المصيريَّةِ المختلفةِ.
مارك ديفر: في وجهةِ نظري ديفر هو قسٌ متخصِّصٌ. فبسهولةٍ سوفَ أرشحُهُ لكَ إن أردتَ أن تتعلَّمَ عن موضوعِ “الكنيسةِ”. لا أعتقدُ أن هناكَ أفضلَ من ديفر يستطيعُ شرحَ هذا الموضوعَ.[5]
جون ماك آرثر: حاليًا تستطيعُ أن تجدَ أكثرَ من كتابٍ باللغةِ العربيَّةِ للقسِ جون، ويرجعُ الفضلُ هنا لدارِ منهلِ الحياةِ. أعتقدُ أن ما يشتهرَ بهَ ماك آرثر حولَ العالمِ هو أنَّهُ لا يقبلُ أيةَ مساومةٍ على الحقِ. إن استطعتَ أن تقتني من ضمن كُتُبِهِ كتابين وهما “الإنجيلُ بحسبِ يسوعَ”، و”نستحي بالإنجيلِ”، فستستمعُ جدًّا في الكتابِ الأولِ بالحديثِ عن ربوبيَّةِ المسيحِ وكيف يجبُ أن نؤمنَ بهِ ربًّا لا مُخلِّصًا فقط. أمَّا في كتابِ “نستحي بالإنجيلِ” ففيهِ يلفتُ الكاتبُ نظرَنا إلى حالِ الكنيسةِ اليومَ، وكيف دخلتْ الروحُ العالميَّةُ إليها.
هل تعرفُ لعبةً الدومينو؟ أن تضعَ مئاتِ القطعِ مرتكزين على بعضهِمِ ثم تضربُ واحدةَ فيقعَ الكلُ؟ هل تعرفُ ما معنى أن تسحبَ خيطًا رفيعًا منسدلاً من ثوبٍ؟ نعم، في الأغلبِ سوفَ يسحبُ هذا الخيطُ الكثيرَ من الخيوطِ وراءهُ تباعًا. وبالمعنى الإيجابي، إن بدأتَ هذه العادةَ (القراءةُ وشراءُ الكتبِ) هذه السنةَ، فستكونُ قد ضربتَ أولَ قطعةِ دومينو، وستتوالى القطعُ الباقيةُ في السنينِ القادمةِ. عادةُ القراءةِ لذيذةٌ ومشبعةٌ، وبالحري إن كنت تقرأَ عن اللهِ وكلمتِهِ، فلا تتباطأُ، وابدأ من هذه السنةِ.
[1] ملاحظة سريعة حول كتب اللاهوت النظامي: قد تختلف مع جرودم أو غيره في بعض نقاط اللاهوت الفرعيَّة. على سبيل المثال، سبرول وجرودم مختلفين حول المعموديَّة، وجرودم وباكر حول مواهب الروح القدس، إلَّا أنك ستجد كل هؤلاء محافظين في أمور الإيمان الأساسيَّة (كالخلاص، والوحي، ولاهوت المسيح، وغيرها).
[2] كاتب هذا المقال قد يختلف مع بعض التفاصيل في كتاب “مدخل العهد الجديد” لجون دارين، إلَّا أنَّه يجده مناسبًا لمرحلة تأسيس مكتبة لاهوتيَّة.
[3] يمكنك البحث أكثر في كتب اللاهوت النظامي لكي تعرف الفرق بين اللاهوت التدبيري واللاهوت المُصلح. إلَّا أن فرقًا واحدًا في وجهة نظر الكاتب سيبقى هو الأهم، وهو كيف ينظر هذا اللاهوت إلى الفرق بين إسرائيل والكنيسة اليوم؟ إجابة هذا السؤال سيترتَّب عليها كيف سيتم تفسير الكثير من النصوص.
[4] ديفيد بولسون، وإدوارد ويلتش أيضًا أسماء هامة في مجال المشورة الكتابيّة. أنصحك بالرجوع إليهم.
[5] بكل تأكيد بحسب توجُّهه الخاص، فهو قس معمداني، ويقدِّم التعليم حول الكنيسة من هذا التوجُّه.