ملكوت الله

يواجه الناس في العصر الحالي صعوبة ومشكلة مع السلطة. فإن ذاك الذي يطلق على نفسه لقب المفكر الحر (libertine) يرفض أي كيان حاكم — فيما عدا سلطته الذاتيّة الباطنة — لأنه يؤمن بأنه لا توجد قوة ذات سلطة قادرة على العتق والتحرير. فإن السلطة الخارجيّة يُنظر إليها على أنها سلطة قمعيّة في جوهرها. فقط اقبل هذا الاستنتاج، وسيسهل عليك بعد هذا أن تغذّي الوهم القائل بأننا كبشر لسنا في حاجة إلى أيّة سلطة خارجيّة. ويصوّر مشهد في مسرحيّة “الكأس المقدسة”، التي قدمتها فرقة مونتي بايثون الكوميديّة، هذا الفكر المضاد للسلطة على نحو جيد، مفترضًا على نحو هجائي بأن هناك صورًا معينة من السيادة يمكن أن تكون قمعيّة أو قسريّة.

الملك آرثر: أيتها المرأة العجوز.

دينيس: أنا رجل.

الملك آرثر: آسف، أيها الرجل. من هو الفارس الذي يقطن بالقلعة هناك؟

دينيس: أبلغ من العمر ٣٧ عامًا.

الملك آرثر: ماذا؟

دينيس: أبلغ من العمر ٣٧ عامًا، لست عجوزًا.

الملك آرثر: حسنًا، لا يمكنني أن أدعوك “يا رجل” فحسب هكذا.

دينيس: حسنًا، يمكنك أن تدعوني “دينيس”.

الملك آرثر: لم أكن أعلم أن اسمك دينيس.

دينيس: حسنًا، أنت لم تتكبد العناء كي تكتشف هذا، أليس كذلك؟

الملك آرثر: لقد اعتذرت لك بالفعل عن قولي “أيتها المرأة العجوز”، لكنك بدوت من الخلف …

دينيس: إن اعتراضي الأساسي هو أنك تعاملني تلقائيًا على أني أدنى منزلة منك.

الملك آرثر: حسنًا، أنا ملك.

دينيس: ملك! حقًا؟ هذا رائع. ومن أين حصلت على هذا الملك؟ باستغلال العمال، وبالتمسك بمبادئ امبرياليّة قد عفا عليها الزمن، تخلد الفوارق الاقتصاديّة والاجتماعية في هذا المجتمع…

الملك آرثر: أنا ملكك.

المرأة: لم أكن أعلم أن لدينا ملك، اعتقدت أننا أناس مستقلون جماعيون…

الملك آرثر: أنا ملككم.

المرأة: حسنًا، أنا لم أصوّت لك.

الملك آرثر: لا يوجد تصويت للملوك.

المرأة: كيف إذن أصبحت ملكًا؟

[موسيقى ملائكيّة هادئة]

الملك آرثر: سيدة البحيرة، مرتدية أنقى الثياب البرّاقة المرصعة بخيوط الذهب والفضة، رفعت السيف المسحور “إكسكاليبور” من وسط المياه، مشيرة بهذا من خلال تدبير إلهي، إلى أني أنا آرثر، لابد وأن أحمل هذا السيف. ولهذا السبب أنا الآن ملككم.

دينيس: [مقاطعًا إياه] اسمعني جيدًا، إن السيدات العجيبات القابعات في البرك، واللواتي توزعن السيوف، لسن أساسًا يبنى عليه أي نظام حكم. فإن القوة التنفيذيّة العليا تأخذ سلطتها من تفويض جموع الشعب، وليس من طقس هزلي يجري في البحر.

هذا التفسير لحرية وحق تقرير المصير السائد مجتمعيًا مُؤيَّد أيضًا من قبل مُفكري ما بعد الحداثة مثل “دون كيوبيت”، الذي يقول: “لقد ولّى عصر سلطة المؤسّسات الكبرى، والخرافات التشريعيّة، والحق المطلق”.[1] ويدلي كيوبيت بهذا التصريح بسلطان جسور مما يجعله بالتأكيد مثيرًا للسخرية، بل ومناقضًا لنفسه. هذه هي مفارقة الاختيار (the paradox of choice). فإن البشر في العصر الحديث يعتقدون أن تعدد الخيارات أمر مُحرر، لكنه فعليًا مُوهِن للعزيمة، ومُثبِّط للهمم، بل هو أيضًا مستبد.[2] كما قال ريتشارد باكام:

وهكذا، ودون شك، تم شمول الله داخل أزمة الحريّة المعاصرة… فإن الإيمان بالله… يبدو بالنسبة للكثيرين غير متوافق مع الاستقلال البشري… ففي كثير جدًا من الأحيان عبر تاريخ الكنيسة، تم تمثيل الله بالخطأ على أنه قامع للحرية وليس معززًا لها. فهو لطالما كان الطاغية السماوي الذي يعد النموذج والوازع لنظم الحكم القمعيّة والاستبداديّة على الأرض. من الواضح أن هذا ليس هو الإله الكتابي. فإن سيادته تحرر من كل سيادة بشريّة. هذا لأن الله السيد نفسه يحقق سيادته ليس بالهيمنة بل بخدمته كعبد (فيلبي ٢: ٦-١١).[3]

ماذا إذن عن السلطة والمُلك في الإيمان المسيحي؟ يؤيد فكر ما بعد الحداثة سلطة الفرد الفطريّة الداخليّة، ويضعها في تضاد ومناقضة مع ادّعاءات الفكر التنويري العقلاني التي هي في الحقيقة استبداد خارجي، وفي مناقضة أيضًا مع السلطة الدينيّة السابقة لعصر الحداثة. وفي مقابل ذلك، تعزز رسالة الكتاب المقدس سلطان النعمة وليس السيادة الذاتيّة. فإن السلطان ينتمي في المقام الأول لله ولتقديمه لذاته بالنعمة لنا.[4] بكلمات أخرى، إن زيادة الحميميّة التي يتمتّع بها الأفراد في علاقة ما، بالطبيعة، وحتميًا، وفي الوقت ذاته، تتنقص من مستوى استقلالهم.

ويقدم لنا الكتاب المقدس حقيقة سلطان الله، وسلطان كلمته، وسلطان الحق الذي أعلنه، تلك الحقيقة التي لا نزاع عليها. ولهذا، تعد فكرة ملك الله أحد الموضوعات المركزيّة والمفتاحيّة في كل الكتاب المقدس. ويناقش هذا الفصل لاهوتًا، وهويّة، ومجتمعًا قد شكّله هذا الملكوت.

لاهوت شكَّله الملكوت:

يعد مفهوم ملكوت الله تعليمًا هامًا نجده في كل الكتاب المقدس. ويطلق عليه الكتاب المقدس أيضًا “ملكوت السماوات”، و”ملكوت المسيح”، و”ملكوت ربنا”، و”الملكوت”. وبما أن الكتاب المقدس كتاب واحد، فقد حاول الكثير من المفسرين إيجاد فكرة كتابيّة توحيديّة تجمع العهدين القديم والجديد معًا. ومن الواضح أن هناك الكثير من المواضيع الكتابيّة المتلازمة ذات أهميّة عظمى، لكن يمكننا إيجاد براهين وافية لإثبات الرأي القائل بأن “الرابطة التي تربط [العهدين القديم والجديد] معًا هي المفهوم الديناميكي لحكم الله”.[5]

من المثير للفضول أن نلاحظ وجود العديد من التفسيرات والشروحات للمصطلح الكتابي “ملكوت” في حقل التفسير الكتابي. البعض قد اختزلوا ملكوت الله على النطاق الحاضر الشخصي، وعلى قوة الروح القدس الداخليّة العاملة في القلب البشري. بينما آخرون إما قاموا بقصر الفكرة على نظام روحي مستقبلي سماوي جديد، أو قاموا بمساواة الملكوت بالكنيسة المنظورة.

آخرون أيضًا اتّخذوا منهجًا اختزاليًا في فهم الملكوت معتبرين إيّاه برنامجًا اجتماعيًا مثاليًا لتحقيق التحضّر الإنساني دون الإشارة إلى الفداء الفردي. وبالتالي، ووفقًا لهذا المنهج، فإن “بناء” الملكوت يعني القضاء على جميع المشكلات الاجتماعيّة كالفقر، والظلم الاجتماعي، والأشكال المختلفة من عدم المساواة.

ويرجع وجود هذا التنوع الكبير في التفسيرات عبر التاريخ إلى تبنّي التعليم الكتابي لمعاني متباينة: أي الملكوت باعتباره واقعًا حاليًا (متى ١٢: ٢٨؛ ٢١: ٣١؛ مرقس ١٠: ١٥) وبركة مستقبليّة (١ كورنثوس ١٥: ٥٠؛ متى ٨: ١١؛ لوقا ١٢: ٣٢) على حد سواء، وباعتباره بركة الحياة الجديدة الروحيّة الخلاصيّة (رومية ١٤: ١٧؛ يوحنا ٣: ٣) وحكمًا مستقبليًا ممتدًا للمجتمع على حد سواء (رؤيا ١١: ١٥).

ويعد المفتاح لحل مشكلة هذا التباين هو اكتشاف ما الذي يعنيه الكتاب المقدس بكلمة “ملكوت”. ما هو ملكوت الله؟ غالبية القواميس الحديثة تترجم الكلمة بأنها “مجال” أو “نطاق” أو “مكان”. وقد ضلّل هذا المعنى المفسرين بعيدًا عن الفهم الكتابي الذي يسلّط الضوء على المكانة، والحكم، والملك، والسيادة، وعلى سلطان الله الملكي.[6]

ويوضح المثل الذي قصّه يسوع في لوقا ١٩ المعنى الأساسي لملكوت الله. فإن القصة تصف إنسانًا شَرِيفُ الْجِنْسِ “ذَهَبَ إِلَى كُورَةٍ بَعِيدَةٍ لِيَأْخُذَ لِنَفْسِهِ مُلْكًا وَيَرْجعَ” (لوقا ١٩: ١٢). لم يقم هذا الإنسان بزيارة كورة أخرى كي يؤمّن لنفسه مكانًا أو مملكة ليمارس حكمه عليها، بل قد ترك موضعه وذهب إلى موضع آخر ليأخذ السلطان، أي الملك، أي الحق في حكم الكورة التي كان سيرجع إليها (لوقا ١٩: ١٥؛ تترجم ترجمة RSV الإنجليزية الكلمة بأنها “سلطة ملكيّة (kingly power)”). (ربما ما كان يدور في ذهن يسوع حين كان يقص هذا المثل هو هيرودس، الذي ذهب إلى روما ليضمن نواله بركة من قيصر حتى تتسنّى له العودة إلى اليهوديّة ليملك ويصير هيرودس الملك).

وهكذا، فإن ملكوت الله هو في الأساس حكم الله السيادي، كما يظهر جليًا ويتحقّق عبر مراحل تاريخ الفداء المختلفة. هذه العقيدة الكتابيّة مشتقّة من الحق القائل بأن الله، باعتباره الحاكم الواحد، والحقيقي، والحي، والسرمدي، لطالما كان موجودًا، ولهذا فهو يملك على خليقته. “إن ملكوت الله، الموجود بالفعل لكنه غير مُدرَك بالكامل، هو ممارسة الله لسيادته على العالم حتى الفداء النهائي لكل الخليقة”.[7]

حكم الله في عمل الخلق:

كثيرون في مناقشتهم لعقيدة الملك لم يركّزوا بالقدر الكافي على حكم الله الكوني باعتباره خالق العالم (مزمور ٢٤: ١؛ ٤٧: ١-٩؛ ٨٣: ١٨؛ ٩٣: ١؛ ٩٥: ٣-٧؛ ١٠٣: ١٩؛ ١١٣: ٥؛ دانيال ٤: ٢٥-٢٦؛ ٥: ٢١؛ متى ٥: ٣٤؛ أفسس ١: ٢٠؛ كولوسي ١: ١٦؛ عبرانيين ١٢: ٢؛ رؤيا ٧: ١٥). وهناك رابطة واضحة بين حكم يهوه الملكي وتاريخ ملوك شعب إسرائيل (١ صموئيل ٨)، إلا أن حكم الله الملكي بدأ مع إدارته السياديّة للنظام الكوني الذي خلقه وحفظه. يقول جولدزوورثي الآتي:

لقد تجسّد حكم الله السيادي في العالم الاختباري والتجريبي الذي وضع حدودًا للحريّة البشريّة داخل نطاق المملكة (تكوين ٢: ١٥-١٧). فقد تمثّلت سعادة وبركة وجود الملكوت في كل من العلاقة التي تربط بين الإنسان والله والعلاقة التي تربط الإنسان بالخليقة. فقد كانت الطبيعة خاضعة لسيادة الإنسان، وكانت تثمر تسديدًا لاحتياجاته.[8]

فإن إدارة الله، الرب-الخالق، الملكيّة كانت تجرى بواسطة “تكليف الإنسان بالسيادة على العالم تحت ظروف نعيم جنة عدن (تكوين ١: ٢٨)، [وهذا] يمكن أن نراه إشارة إلى وجود علاقة عهديّة بين الله والإنسان”.[9]

وقد تم التصديق على موضوع ملكوت الله بشكل جيد في الفترات التاريخيّة المختلفة التي تظهرها لنا كلمة الله. فإن مفهوم ملك الله كان مفهومًا جوهريًا بالنسبة لشعب رحّال اعتبر إلهه هو ملكه الحاكم والمتسيّد. فقد رافقهم الله في ارتحالهم، ووفر لهم الحماية والملجأ، بينما كان ينشئ نسلاً عتيدًا أن يُختار ليكون خاصته.

والتركيز الرئيسي لهذا الوصف عن ملك الله هو في الأساس على أبناء إبراهيم وأرض إسرائيل.[10] فإن تكوين ٤-١١ يصف نسل إبراهيم الذي له أعطيت المواعيد العهديّة البارزة، والتي كانت تختص بأمة عظيمة، وأرض عظيمة، وحكم وعلاقة عهديّة (تكوين ١٢: ١-٣). البعض قد فسروا هذا الوعد الثلاثي باعتباره وعدًا يقدم الوصف الكتابي لملكوت الله، أي شعب الله، ونطاق حكم الله، وحكم الله.[11]

حكم الله في سفر الخروج:

في زمن الخروج من أرض مصر، ثبَّت الله ملكه على تاريخ إسرائيل من خلال سلسلة من التدخّلات الإلهيّة وأعمال الخلاص المعجزيّة والقديرة (مثال: انظر خروج ١٥؛ تثنية ٦: ٢٠-٢٤؛ ٢٦: ٥-١٠؛ يشوع ٢٤: ٥-١٣؛ مزمور ٧٨؛ ١٠٥؛ ١٠٦؛ ١١٤؛ ١٣٥؛ ١٣٦؛ نحميا ٩: ٩-١٥)، ومن خلال تحرير الشعب من عبوديتهم، وإجراء معجزات الضربات، وشق البحر، وحفظ شعب إسرائيل في البرية، جنبًا إلى جنب مع بعض اختبارات الظهور الإلهي. فقد أدرك الشعب أن سيادة يهوه قد تأكّدت وترسّخت من خلال أعمال الخلاص المتتالية، “مكونة توالي واستمراريّة تقع تحت سيطرة الله، أي صانعة تاريخًا، وهذا التاريخ كان يسير للأمام نحو مستقبل وفقًا لمشيئة الله”.[12] وقد أكّد الله على حكمه حين خلّص شعبه من يدي فرعون، وقادهم إلى أرض الموعد (خروج ١٥؛ ١٩: ٥-٦).

حكم الله في زمن الملوك والأنبياء:

يعجّ تاريخ الخلاص في أثناء فترة حكم الملوك بالمآسي. فقد دُعي شعب إسرائيل وأُفرِزوا ليكونوا بركة للعالم، ونائبين عن الله في الحكم للإشراف على الأرض (١ أخبار الأيام ٢٩: ٢٣؛ ٢ أخبار الأيام ٦)، لكن للأسف تميّز تاريخ هذا الشعب بالقدر الكبير من الخيانات بدلاً من الإخلاص، ومن عبادة الأوثان بدلاً من عبادة الله، ومن التمرد بدلاً من الطاعة. ولطالما عبد جند السماء الله، وهم مستمرون في تمجيد قداسته “في عبادة تامة طوعيّة”،[13] لكن البشر رفضوا أن يكرموا الله كملك، مما يفسر ظهور الممالك الأرضيّة المليئة بالمقاومة الشريرة له. ولذلك، تستعرض الأسفار النبويّة رسالة رجاء سيأتي بها المسيا الذي “سيدين الأشرار، ويأتي بالبشريّة المفديّة إلى خليقة جديدة (حزقيال ٣٦؛ ٤٧؛ إشعياء ٣٥؛ ٥٥؛ ٦٥؛ زكريا ١٤)”.[14]

ستكون هذه المرحلة في تاريخ الفداء، التي هي يوم عظيم ومجيد سيأتي في المستقبل حين يُرَد كل شيء، هي المرحلة التي فيها سيقتحم حكم الله الكوني المشهد (إشعياء ٢٦: ١-١٥؛ ٢٨: ٥-٦؛ ٣٣: ٥-٢٤، ١٧-٢٢؛ ٤٤: ٥؛ حزقيال ١١: ١٧-٢١؛ ٢٠: ٣٣-٣٨؛ هوشع ٢: ١٦-١٧؛ زكريا ٨: ١-٨)، مصطحبًا معه بر الملكوت (إشعياء ١١: ٣-٥؛ إرميا ٢٣: ٥-٦)، والسلام والتآلف الأبديين (إشعياء ٢: ٢-٣؛ ٩: ٥-٦؛ ١١: ٦-٧؛ ٣٥: ٩؛ ميخا ٥: ٤؛ زكريا ٩: ٩-١٠).[15]

حكم الله المَسِيَّاني في العهد الجديد:

في أسفار العهد الجديد، أعلن كل من يسوع ويوحنا المعمدان أن ملكوت السماوات قد اقترب (متى ٣: ٢؛ ٤: ١٧؛ مرقس ١: ١٥)، وأن المرحلة الأخيرة من الملكوت على الأرض كانت قيد التحقق من خلال تجسّد المسيح وخدمته الجاريّة (متى ٢: ٢؛ ٤: ٢٣؛ ٩: ٣٥؛ ٢٧: ١١؛ مرقس ١٥: ٢؛ لوقا ١٦: ١٦؛ ٢٣: ٣؛ يوحنا ١٨: ٣٧). وعلى الرغم من أن هذه الخدمة الأرضيّة كانت موجودة بالفعل، إلا أن التتميم الكامل والفائق لها لن يتحقق إلا عند المجيء الثاني للمسيح في المجد (١ كورنثوس ١٥: ٥٠-٥٨؛ رؤيا ١١: ٥).

وقد ظهرت هذه الإرساليّة المركزيّة المختصة بتأسيس المرحلة الأخيرة من الملكوت بغرض السماح لبشريّة مُحطَّمة وساقطة بالدخول إلى ملكوت الله (متى ٥: ٢٠؛ ٧: ٢١؛ يوحنا ٣: ٣). فإن الملكوت المُدرَك، أي الحكم القدير لله، قد دخل إلى “الحياة التاريخيّة في صورة جديدة، فها هو الملك ذاته آتيًا ’ليعلن عمل الله الفدائي النهائي، وليتمّمه‘”[16]. فحتّى أمثال المسيح كانت مستخدمة كوسيلة تعليم يصوّر بها لأتباعه حقائق ملكوته (متى ١٣: ١١). وعلى الرغم من أن مزايا وفوائد الإنجيل كانت موجودة بالفعل جزئيًا (أفسس ١: ٣)، إلا أن سعادة ونعيم المجد المستقبلي موعودة لمن قد أعدّت لهم (متى ٢٥: ٣١، ٣٤).[17]

وطوال العهد القديم، توجد العديد من الموضوعات في كل الأسفار حيث تتضخّم حبكات القصص في حدّة دراميّة وفي قرارات تبدو بلا حلول.[18] فقط في شخص المسيح يمكن أن توجد حلول لهذه التوتّرات الحادة، ويمكن أن يتحقّق تمامًا توقّع مجيء حكم بار بالكامل، ومليء بالسلام، ومدبر للخلاص. فمنذ جنة عدن، فقدت البشريّة بسقوطها حريّة التمتّع بأمجاد حكم الله، ولذلك فإن دراما التاريخ الإنساني ظلّت منخرطة إلى الأبد في سعي حثيث لا يكل لإيجاد المَلك الكامل الحقيقي.

إن مأساة التاريخ الكتابي، خاصة في عصر الملوك، تعد صورة عن محاولات الشعب الفاشلة لتعلّم كيفيّة الخضوع لحكم الله. ولكن بدلاً من تنازل البشر عن فكرة ذاتيّة الخلق، وتعزيز الذات، وذاتيّة الخلاص، لإله واحد، يظهر تاريخ شعب إسرائيل عبوديّة قلب الإنسان للوثنيّة. وقد أخفق جميع ممثلي شعب الله الرئيسيّين — من آدم، ونوح، وإبراهيم، ويعقوب، وموسى، وداود إلى جميع شخصيّات التاريخ الفدائي البارزة الأخرى — جميعهم أخفقوا في حل التوتر المتصاعد في قصة الخلاص، وفي تدبير الشفاء والتحرير من العبوديّة والقيود. لكن الحل الذي دبّره الله كان غير متوقع: فإن الله نفسه من خلال التجسّد قام بزيارة البشريّة الساقطة، وتم تجديد كل شيء محطّم من خلال عمل مسيّا متألم. وفي مفارقة بديعة، تلاحم الله مع أولئك الذين هجروا الله.

هذه الصورة المتناقضة عن رغبة الله في التلاحم في موته مع شعب ترك الله مرتبطة بفكرة العبد المتألم في إشعياء ٥٢: ١٣–٥٣: ١٢، ذلك العبد الذي حمل آثام الكثيرين وتألّم كبديلٍ عنهم.

في هذا السياق عن الرابطة الأساسيّة التي تربط بين تفرّد الله وبين أفعاله [الأخيرة] لخلاص شعب إسرائيل وخلاص العالم، يقرأ المؤمنون الأوائل عن شخصيّة عبد الرب الغامضة، الذي يشهد عن تفرّد لاهوت الله، والذي في الأصحاحات ٥٢–٥٣، يقاسي المهانة والموت، وأيضًا يتمجّد ويرتفع.[19]

وبهذا يظهر الرجاء في فداء تمرّد الإنسان وتجديد الخليقة المُحطّمة، بل ويتحقّق، في يسوع المسيح الذي جاء في الجسد. فإن الملكوت الآن صار حقًا موضوعيًا [المترجم: الحق الموضوعي هو حقيقة الشيء كما هو عليه بالفعل، وليس بحسب رؤيتنا نحن] تحقّق بالمجيء الزمني للملك المسياني وعمله. فإن الوصف الكتابي للملكوت الذي يسلّط الضوء على شعب الله، ونطاق حكم الله، وسلطانه، قد وجد التتميم النهائي له في يسوع الذي هو الشعب الحقيقي لله، والحضور الحقيقي لله، والسلطان الحقيقي لله.

تحقيقٌ لشعب الله. يصف لوقا آدم بأنه ابن الله (لوقا ٣: ٣٨)، بينما يشير خروج ٤: ٢٢ إلى إسرائيل، شعب الله، باعتبارهم ابن الله البكر. وقد تحقّقت فكرة البنوّة في يسوع، الذي باعتباره آدم الثاني الكامل، “الابن الحبيب” (لوقا ٣: ٢٢)، وإسرائيل الحقيقي، تمّم ما قد أخفق فيه كل من آدم الأول وإسرائيل، وهو الخضوع للملك الكوني. “وهكذا تمثّل قصة التجربة النقيض لتغلب إبليس على آدم في الجنة، وعلى إسرائيل في البرية”، ولذلك، “فإن جميع النبّوات التي تختص برد شعب إسرائيل [باعتبارهم] شعب الله لابد وأن تتحقّق فيه”.[20]

تحقيقٌ لحضور الله. “إن رمز خيمة الاجتماع يستطيع… تصوير شخص يسوع باعتباره موضع كلمة الله ومجده بين الجنس البشري”.[21] فما كان مستحيلاً على موسى، أي رؤية مجد الله (خروج ٣٣: ٢٠)، صار ممكنًا لجميع من يؤمنون (يوحنا ١: ١٤)، بما أن الكلمة المتجسّد قد رأى الله بالفعل (يوحنا ١: ١٨؛ ٣: ١١).

وبالتالي، فإن وصف يسوع باعتباره رمزًا للاستعلان النهائي والمطلق لموضع سكنى الله، يستعرض أمامنا فكرة الهيكل في إنجيل يوحنا. فهو “الهيكل الأبدي البشري-الكوني لله”، [22] الذي حل (بسط خيمته) بين شعبه “في صورة من القرب مختلفة تمامًا”،[23] ترمز إلى بدء الحضور الأخير لهيكل الله في العصر المسياني. في هذا “الهيكل”، أي جسد المسيح (يوحنا ٢: ١٩-٢٢)، كانت الذبيحة التامة والكاملة عتيدة أن تقدم، ومع ذلك يقول يسوع أن بعد ثلاثة أيام سيقوم الهيكل الروحي، الحقيقي، من الأموات ليستبدل هيكل أورشليم.[24]

لا يمكن فصل ملكوت الله عن حضور يسوع (عبرانيين ١٢: ٢٢-٢٣).[25] فإن إعلان الله عن نفسه يتم من خلال استعلان حضوره الحي في الهيكل الحقيقي. وقد صار للعبادة الحقيقيّة هيكل جديد، فقد استبدل يسوع الموضع المؤقّت. وصار شعب الله الآن قادرًا على اختبار ملء الحياة الأبديّة والبركات الوافرة للخليقة الجديدة، التي لم تعد متاحة من خلال حقوق امتلاك أرض أو ميراث وقتي.

وأخيرًا، صارت الكنيسة قادرة على أن تُعرَف تمامًا من قبل إله قدوس، ولا تُرفض. فقد كانت خيمة الاجتماع هي الموضع الذي فيه تتقابل السماء والأرض مع مجد الله الجالس على العرش غير المنظور فوق كرسي الرحمة [المترجم: الغطاء] الذي لتابوت العهد خلف “الحجاب” في قدس الأقداس. وقد صار هذا الدخول متاحًا على نحو أكبر حين “حل” الهيكل الحقيقي بيننا (كولوسي ٢: ١٧). فحين صلب الله-الإنسان، الهيكل الحقيقي، تمزّق جسده وسُفك دمه ليسدّد ثمن خطايانا، “وَإِذَا حِجَابُ الْهَيْكَلِ قَدِ انْشَقَّ إِلَى اثْنَيْنِ، مِنْ فَوْقُ إِلَى أَسْفَلُ” (متى ٢٧: ٥١).

فإن الخفي المطلق، الذي تمتع بشركة في ذات لاهوت الله، قد جاء إلى كورة بعيدة كي يطلب الضالين، والغرباء المهمّشين، بأن صار هو نفسه غريبًا، فرُفض، وتُرك، وذَبُلَ، وسُحق، واحتُقر لأجل آثام الكنيسة (قارن عبرانيين ١٣: ١١-١٢). لقد انشقّ حجاب الهيكل، والتهم لهيب السيف المتقلّب الذي بيد الملاك الذبيحة الكاملة، حتى يتسنّى لنا نحن الكنيسة أن ندخل إلى الأبد إلى محضر إلهنا القدوس. يقول خروج ٤٠: ٣٣: “وَأَكْمَلَ مُوسَى الْعَمَلَ” (قارن تكوين ٢: ٢ “وَفَرَغَ اللهُ … مِنْ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ”)، مما يلقي بظلال على كلمات يسوع الأخيرة، عند تتميمه الكامل للفداء: “قَدْ أُكْمِلَ” (يوحنا ١٩: ٣٠). فقد أعتقت الكنيسة مجانًا من العبودية، كي يمكننا أن نتمتع بإلهنا، الذي هو روح، وكي نسجد له بالروح وفي واقع الهيكل الحقيقي.

تحقيقٌ لحكم وسلطان الله. إن يسوع ليس هو شعب الله الحقيقي، وحضور الله النهائي فحسب، لكنه أيضًا هو سلطان قوة الله الملكيّة التام والنهائي. على سبيل المثال، إن عمل منح المياه التي تعطي حياة (أو منح الحياة ذاتها)، الذي يُعرَف بأنه عمل إلهي يعمله خالق صاحب سيادة له السلطان كي يمنح الحياة (انظر إشعياء ٤٤: ٣)، هو أيضًا عمل منسوب ليسوع (يوحنا ١٤: ١٣-١٤؛ انظر أيضًا 4: 10). فإن قصص العهد القديم عن كل من الخلق والخلاص تصف دون أي غموض الله باعتباره واهب الحياة الأوحد وصاحب السلطان (تكوين ١: ١١-١٢، ٢٠-٣١؛ ٢: ٧؛ أيوب ٣٣: ٤؛ إشعياء ٤٢: ٥؛ حزقيال ٣٦: ٢٦). فإن العمل الإلهي المختص بمنح الحياة ينبع من هويّة الله وهو شيء يميّز تفرّده.

هذه الأدوار والأفعال الإلهيّة قد مارسها يسوع أيضًا. بكلمات أخرى، يشترك يسوع في العمل المتفرد لله في الخليقة الأولى وفي الخليقة الجديدة.[26] فإن يسوع يجيب المرأة في يوحنا 4 قائلاً: “وَلكِنْ مَنْ يَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى الأَبَدِ”، ثم قال: “بَلِ الْمَاءُ الَّذِي أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ” (٤: ١٤). فإن يسوع يعطي حياة، وأيضًا يعطي السلطان والحق في أن نصير أبناء الله (انظر يوحنا ١: ١٢، “وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا [حقًا] أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ”، ويوحنا ٥: ٢١ “لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ يُقِيمُ الأَمْوَاتَ وَيُحْيِي، كَذلِكَ الابْنُ أَيْضًا يُحْيِي مَنْ يَشَاءُ”).

هويّة المؤمن التي يشكّلها ملكوت الله:

تقول إقرارات إيماننا إن “جميع من خلصوا بنعمة الله بواسطة الاتّحاد بالمسيح بالإيمان، وبواسطة التجديد بالروح القدس، يدخلون ملكوت الله، ويتلذّذون ببركات العهد الجديد”. وهكذا، فإن مكان المؤمن في ملكوت الله بالضرورة يشكّل هويّته. فإن خطة الخلاص الخاصة بالحكم السياديّ لله تُستعلن في حياة المؤمن من ثلاثة جوانب مختلفة: أعمال النعمة، فوائد النعمة، وتأثيرات النعمة.

أعمال النعمة:

أولاً، يعد حكم الله الملكي في عملية الفداء، التي توسط فيها يسوع المسيح وتمّمها، عملاً خلاصيًا تأسّس بنعمته. وفي هذا العمل يتجدّد خاطئ أجنبي، وتتم مصالحته، ويُسمَح له بالدخول إلى ملكوت الله. أما البشر الذين يتبنّون تمركزًا حازمًا حول الذات، فهم يقاومون النعمة لأنهم لا يشعرون براحة تجاه أي سلطان في حياتهم سوى سلطان ذواتهم. فإن هذا في الأساس صراع شديد وضخم على العرش. ويصوّر الكتاب المقدس أزمة البشر قائلاً إنهم يعيشون تحت سلطان الخطية وشهوات الجسد (أفسس ٢: ١-٣). ولهذا نحن في حاجة إلى الفداء من الخطايا من خلال عمل خلاص يقوم به إله رحيم. يقول باكام:

علينا أن نفكّر في إلزام الخطية التي لا نستطيع التحرر من قبضتها بأنفسنا، على أنه ليس مجرد إلزام على ارتكاب الخطية داخلي في الطبيعة البشريّة الساقطة، لكنه أيضًا قوى خارجيّة، مثل النزعة الاستهلاكيّة، التي تخاطب الرغبات الدُنيا في الطبيعة البشريّة، وتستغل البشر بأن تلتحم بالميول البشريّة كالطمع، والشهوة، والحسد، والإسراف. فإن القبضة التي تمسك بالكثيرين في العصر الحديث هي تحالف بين أسوأ القوى التي تسيطر على مجتمعنا وأسوأ الجوانب في ذواتهم الداخليّة.[27]

يقول بولس إن القلب البشري ساقط، لكنه لا يقول إننا نغلّظ قلوبنا لأن فكرنا قد أظلم، بل بالحري يقول إن فكرنا قد أظلم بسبب غلاظة وفساد قلوبنا (أفسس ٤: ١٨). لقد أظهر الله حكمه الملكي على الأرض ليفدي البشر الساقطين. وتعد الخطية هي أي مركز أو قيمة مطلقة داخل قلوبنا تزيح الله من المشهد حتى تحكم وتدير بشكل أساسي لهثنا وراء السعادة، والأهمية، والهويّة (انظر خروج ٢٠: ١-٢؛ رومية ١: ٢٥). فإن الخطية هي رغبتنا في أن نضع أنفسنا في مكان الله، بينما يعلن الله عن نعمته في يسوع بأن يضع نفسه بديلاً عنا.[28] فهو قد افتدانا بأن صنع كفارة كاملة، وامتص العقوبة التي كانت خطايانا تستحقها، وضمن لنا التبرير والقبول مجانًا بنعمته.

وبسبب قمع وإلزام الخطية الداخلي، يسلّط الكتاب المقدس الضوء على الأولويّة الجذريّة للحياة الداخليّة وليس الخارجيّة. فإن دورة الوثنية (غلاطية ٤: ٨) تمتد على نحو مؤثّر وفعّال عبر مراحل الزنا والاستقلال الذاتي (يعقوب ٤: ١٣-١٦). وسواء كان المحور الذي يدور حوله أي شخص هو مهنته، أو علاقاته، أو المال، أو الإنجاز الأكاديمي، أو الجنس، فإن عاش الفرد لأي شيء آخر غير يسوع، فإن ذلك الإله سيسيئ معاملة قلبه، ويسحقه، ويستبد به.

أما أولئك الذين يعيشون لأجل يسوع، فهم سينالون القبول المحب لهذا الإله، وسيتحررون (غلاطية ٥: ١). فإن الحياة لأجل كبرياء الإنسان الأناني ستجعله يحيا تحت ثقل لعنة، بما أن الناس لا يمكنهم أن يحيوا قط بمقتضى تطلعاتهم وتوقعاتهم، أو يصلوا قط إلى مقاييس سامية، ناهيك عن الناموس المقدّس الكامل لله. فإن هويتي لا تتعلّق بمن أنا بل لمن أنتمي. وهكذا فإن كلاً من المتديّنين وغير المتديّنين يتجنّبون الله مخلصًا وربًا — لكن بطرق ووسائل مختلفة. كلا الفئتين تسعى نحو إحكام السيطرة على حياتها من خلال التطلّع لشيء آخر غير الله لخلاصهم.[29]

يمدّنا الكتاب المقدس بصورة رائعة عن إنجيل متعدّد الأوجه. البعض حاولوا أن يصنعوا مقابلة بين “إنجيل الحياة الأبدية” الذي ينتشر عبر أرجاء إنجيل يوحنا وبين “إنجيل الملكوت” الموجود في الأناجيل الإزائيّة (السينوبتيّة) (متى، ومرقس، ولوقا). إلا أن كل كاتب من كتّاب الأناجيل يعبّر عن صورة لا تفيد بؤرة تركيزه اللاهوتي فحسب، بل أيضًا تنفع مستمعيه المحددين.

علاوة على ذلك، يمكن لكل من إنجيل يوحنا والأناجيل الإزائيّة الربط بين “الحياة” و”ملكوت الله”. فإن المسيح، في إجابته على نيقوديموس في إنجيل يوحنا، يجمع بين فكرة التجديد والحياة الجديدة مع ملكوت الله، كي يقدّم لفريسي حقائق حول هذه الحياة الجديدة (يوحنا ٣: ٣، ٥).

وبالمثل أيضًا، سجّل مرقس قول يسوع: “وَإِنْ أَعْثَرَتْكَ يَدُكَ فَاقْطَعْهَا. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ أَقْطَعَ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَكَ يَدَانِ وَتَمْضِيَ إِلَى جَهَنَّمَ، إِلَى النَّارِ الَّتِي لاَ تُطْفَأُ” (مرقس ٩: ٤٣). على الصعيد الآخر، يؤكّد يسوع في عدد ٤٧: “وَإِنْ أَعْثَرَتْكَ عَيْنُكَ فَاقْلَعْهَا. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ أَعْوَرَ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَكَ عَيْنَانِ وَتُطْرَحَ فِي جَهَنَّمَ النَّارِ”. وهكذا يشير مرقس إلى كون ملكوت الله هو “الحياة”.

كما يستخدم إنجيل يوحنا كلمتي “الحياة” و”الحياة الأبديّة” للإشارة إلى ملكوت الله. فإن الحياة الأبديّة بالنسبة ليوحنا هي ذاتها ملكوت الله. فإنهما تستخدمان بالتبادل للإشارة ليس فقط إلى القوة ذات السلطان التي يملكها مخلص يهب حياة أبدية، بل أيضًا للإشارة إلى ملك سيادي ينتمي لملك يحكم قلوب البشر.

فوائد النعمة:

أحد فوائد اتحادنا بالمسيح ونوالنا الحياة الأبديّة وغفران الخطايا هي أننا صرنا مواطنين جدد في ملكوت الله (أفسس ٢: ١٩؛ فيلبي ٣: ٢٠). هذه الصورة البولسيّة تمس كل من اختبار المؤمن الشخصي وتفاعله العام. فإن بولس يصف مختلف حقوق وواجبات مواطن غريب وأجنبي في أرض غريبة. فإن المؤمنين يدخلون في علاقة مع الآخرين بوسائل تزيّن الإنجيل، وتطلب خير الآخر، وتمجّد المسيح. وهم يقومون بهذا لأنهم أعضاء في مجتمع مختلف جذريًا، أي ملكوت الله، وهم متحدون بالشخص المتولّي شئون التاريخ.

فحتى حين كان يخرج مواطن روماني خارج مدينته، كانت حقوقه ومسئوليّاته كمواطن تظل سارية أينما ارتحل داخل الامبراطوريّة. هكذا أيضًا، تمتد حقوق المؤمن ومسئوليّاته داخل ملكوت يسوع الملك إلى أبعد ما يمكن أن يصل إليه ملكه. ومرة ثانية، كما أن بولس كان لديه الحق في أن يرفع دعواه لإمبراطور روما، هكذا أيضًا يمكن لمواطن في ملكوت الله أن يرفع دعواه إلى سلطان يسوع الملك المطلق.

ولكن، ينبغي للمؤمن أن يتشدّد بمعرفة أن يسوع امبراطور من نوع مختلف، فهو دائمًا يستجيب باهتمام لأيّة قضية أو مشكلة تواجه أي من مواطنيه. وبما أن الإنجيل يؤكّد للمؤمن موقفه القانوني ووضعه الأبدي، فهو يمكنه أن ينال اليقين بمعرفته لهذا الحق بأنه لا توجد أيّة درجات أو تصنيفات في هذه المواطنة.

بمعنى آخر، إما أن تكون مواطنًا أو لا، وإما أن تكون ابنًا أو لا. هذا الحق سيرفض أيّة أفكار مغلوطة أو أي قلق حيال كون أداء الفرد هو ما يحدّد وضعه كمواطن. أي أننا لا نصير مواطنين من الدرجة الثانية حين نكون أقل طاعة، أو مواطنين من الدرجة الأولى حين نكون أكثر طاعة.

وما هو المعيار الأساسي الذي يجعل من شخص ما مواطنًا في دولة ما؟ ليس جنسه، أو عرقه، أو لغته، أو شكله، أو خلفيته الثقافيّة والاجتماعيّة والاقتصادية. بل ما يحدّد ذلك هو إن كان هذا الشخص قد حصل على الجنسيّة في هذه الدولة كمواطن أم لا. وما هو المعيار الذي يجعل من شخص ما مؤمنًا مسيحيًا؟ هو حقيقة أنه قد نال حق المواطنة ليس بسبب مكانة اجتماعيّة، أو ثقافيّة، أو عرقيّة، أو أخلاقيّة بل بسبب نعمة الملك. فإذ كان قبلاً أجنبيًا (أفسس ٢: ١٩)، فهو الآن مواطن له جميع الحقوق والامتيازات في جماعة جديدة.

تأثيرات النعمة:

إلى جانب هذه الحقوق والامتيازات، على المواطن مسئوليّة أن يمثّل الملك في هذا الملكوت على نحو جيد. فإن شعب الله باعتباره “رَعِيَّةٌ مَعَ الْقِدِّيسِينَ [مواطنين على درجة رفيعة]” (أفسس ٢: ١٩)، يعد مجتمعًا مختلفًا جذريًا، له ثقافة تناقض ثقافة مجتمعه. هو مجتمع من جميع الأجناس، أي غير محلي. فهم يشتركون في لغة روحيّة واحدة، وفي ولاء لذاك الذي يسمو فوق كل ولاء آخر. كما أنهم لا يشتركون فقط في واجبات ومسئوليّات مشتركة، لكن الأهم من ذلك أنهم يشتركون في هدف مشترك، أي التلذّذ بتمجيد، وإكرام، وطاعة الملك الواحد الحقيقي.

لكننا بدلاً من أن نحب إلهنا، فإننا كثيرًا ما ننخرط في تمجيد ومدح ذواتنا. إلا أن تأثير النعمة المُخلّصة يوقظنا لنرى يسوع في جلاله المطلق. فإن صورة بهاءه في دخوله الانتصاري (يوحنا ١٢: ١٢-١٩) تعد مزيجًا عجيبًا ومتناقضًا من الجلال والوداعة، ومن القداسة والاتضاع. هذه هي المفارقة التي نجدها في ملك يسوع. فهي صورة معكوسة، تقلب الموازين، عن كيف أن الملك – العبد جاء متّضعًا. فإننا جميعنا نتوق إلى ملك كامل يأتي ليمنحنا ملكوتًا نرجوه بشدة. فإننا نريد مَلكًا مثاليًا، يكون جريئًا ولطيفًا، شجاعًا ووديعًا، في الوقت ذاته.

في إنجيل يوحنا، حين يستخدم يوحنا الفعل “يتمجّد” أو “يرتفع”، فهو يشير بهذا عادة إلى الصليب. إذن ما يحاول يوحنا أن يقوله هو أنك إن كنت تريد أن تعرف ملء مجد الله، فإن هذا لا يُوجد في الأمجاد التي تحقّقها المعجزات، بل في الصليب. فقد جاء يسوع المسيح إلى العالم في صورة متناقضة وتمجّد. فهو قال في هذا الشأن: “إن الوسيلة التي بها سأظهر لكم عظم ملكي هو أني تركت غناي السماوي، وأتيت إلى هذا العالم، وصرت لا شيء، وجعلت منكم أنت الفقراء، أغنياء”.

لقد كانت لدى الشعب تطلّعات مغلوطة عن ملكهم المسياني، ولم يتوقّعوا أن يكون حفل تتويج ملكهم هو في الصليب. كلما فكرنا في هذا المُلك المعكوس والمتناقض الذي ملكه يسوع، الذي هو جليل ووديع، قدوس ومتّضع، فإننا نرغب في هذا المُلك ذاته الذي يجعل قلوبنا كالحملان وأيضًا كالأسود، يجعلها قلوبًا شجاعة ومترائفة في الوقت ذاته. ويوجز كيلر هذا التفرّد الإلهي بشكل جيد، كما يلي:

هذا يعد تناقضًا فقط بالنسبة للعالم. لكنه جلال وملك حقيقي بالنسبة لنا. فإننا في يسوع المسيح نرى المزيج بين القوة غير المحدودة والضعف التام، والعدل غير المحدود ومع ذلك الرحمة التي لا تنضب، والسمو الفائق والقرب وسهولة الاقتراب. فإننا نشعر في الحاضر بأن هذا شيء عاصف تمامًا وغير متوقّع. شيء قدير، وقوي، ومع ذلك تحت السيطرة تمامًا. إن قوة الجذب شديدة. شديدة حقًا. إنه جلال وملك، ملك نتوق جميعنا إليه. فإن الجلال يزداد جلالاً باللطف، واللطف يزداد لطفًا بالجلال. فإن وقفت وجهًا لوجه أمام هذا الملك الحنون الذي يأتي راكبًا على جحش، فستصير أنت ملكًا حنونًا، وستصير أكثر جرأة ومع ذلك أكثر اتّضاعًا في الوقت ذاته. لكن هذا سيحدث فقط إن علمت كيف يمكن أن تخلص، وأن هذا يتم ليس بالقوة، بل بالضعف. وليس من خلال اجتهادك الأخلاقي، بل بالخضوع لنعمة الله.[30]

مجتمع شكَّله الملكوت:

جميع الشعوب، والمؤسّسات، والجماعات لديها اهتمام كبير بتغيير، أو تجديد، أو تحويل المجتمع من خلال فرض قيمهم الرئيسيّة والجوهريّة على المجتمع. ولأجل هذا، لا يسعنا سوى أن يكون لنا تأثير على مجتمعنا. فإن اللحظة التي يفتح فيها أحدهم فمه، فهو حينئذ يتحدث بلغة خاصة، ومن خلال سياق مجتمعي خاص، وبرؤية خاصة عن الأخلاق والتعريفات المختلفة الأخرى بخصوص ما يؤمن به أنه “الحق”، و”الخير” و”الجمال”. لا يجب أن يعتقد أحد أنه لا “يظهر في هذه الساحة العامة”.

وفي تناولنا لهذا السؤال: “هل مسئوليّة الكنيسة أن تأخذ على عاتقها شئون الدولة المدنيّة (مثل التعليم، الفقر، الظلم الاجتماعي، الفنون، …الخ)؟” نحتاج أن نضع الآتي في اعتبارنا. ليس للكنيسة أي سلطة قانونيّة أو قضائيّة في ميدان الدولة/المدينة، لكن هذا لا يعني أن الكنيسة ينبغي أن تظل على الهامش. فإن على الكنيسة مسئوليّة أن تعمل أعمال رحمة وأن تنخرط في المجتمع من خلال أعمال العدل الاجتماعي (انظر يعقوب ١: ٢٧).[31]

يقول بولس في غلاطية ٦: ١٠ “فَإِذًا حَسْبَمَا لَنَا فُرْصَةٌ فَلْنَعْمَلِ الْخَيْرَ لِلْجَمِيعِ، وَلاَ سِيَّمَا لأَهْلِ الإِيمَانِ”،[32] ويقول يعقوب إن الديانة الحقيقية هي هذا: “افْتِقَادُ الْيَتَامَى وَالأَرَامِلِ فِي ضِيقَتِهِمْ، وَحِفْظُ الإِنْسَانِ نَفْسَهُ بِلاَ دَنَسٍ مِنَ الْعَالَمِ” (١: ٢٧). بمعنى آخر، إن مسئوليّة الكنيسة هي أن تتبع كل من الرأفة العامة والشفقة الفرديّة. على سبيل المثال، على الرغم من أن فشل نظام التعليم المدرسي لا يقع ضمن المسئوليات المدنية للكنيسة، إلا أن الكنيسة يمكنها أن تشترك في “عمل الخير” بأن تدعم المدرسة المحليّة في تقديمها لدروس خاصة بعد اليوم الدراسي.

أيضًا على المؤمنين بناء صداقات مع من هم في محيط سكنهم. وهذا ربما يعني الانضمام إلى الجمعيات والمنظمات، والدخول في شراكة مع منظمات تختص بأعمال الرحمة والأعمال الخيريّة. لا شيء من هذا يعني التحقير من شأن أولويّة التبشير بالإنجيل. بل إن التأثير الذي يجريه الإنجيل هو التغيير الحتمي لرجال ونساء، فيبدأون أن يحبوا قريبهم، بينما قبلاً كانوا يحبون أنفسهم فحسب.

هذا النمط يناقض بشدة فكر وممارسة العالم، حتى أنه يخلق “ملكوتًا بديلاً”، و”مدينة بديلة” (متى ٥: ١٤-١٦)، تحوي مناقضة تامة لقيم العالم من حيث السلطة، والتقدير، والمكانة، والثروة. فإن الإنجيل يعكس مكانتي الضعيف والقوي، “الغريب” و”الوطني”. فإنه لشيء إيجابي، روحيًا، أن نرى ضعفنا، وهناك خطر شديد، روحيًا، يكمن في أن نكون ناجحين وبارعين. وحين ندرك أخيرًا أننا يمكن أن نخلص بالنعمة فحسب بواسطة المسيح، نتوقّف عن السعي وراء الخلاص (سواء الخلاص المختص بالإنجاز النفسي، أو التغيير الاجتماعي، أو البركة الروحيّة، أو ثلاثتهم) بقوتنا، ومكانتنا، وإنجازاتنا. هذا إذن يبيد سلطان هذه الأشياء في حياتنا. وهكذا فإن التحوّل الذي يُحدِثه الصليب، ونعمة الله، يحررنا من العبوديّة لأية قوة أخرى من الأشياء الماديّة والمكانة العالميّة في حياتنا. فنبدأ في أن نحيا حياة جديدة دون وضع اعتبار كبير لها.[33]

البعض يعيشون في المدينة، ويجدون احتياجاتهم مُسددة فيها: فهم يحصلون على شهادات، ومكانة، وتعليم، وتدريب، وتأثير فعّال. آخرون في الأغلب تبتلعهم المدينة. لكن ما يريده المؤمنون هو أن يعيشوا مناقضين لثقافة مجتمعهم كي يخلقوا المجتمع الجديد البديل لملكوت الله. فهم يشتركون في دخول حضور الله وحكمه وسط شعب هم خاصته، بينما يشكلهم، ليصنع منهم مجتمعًا مميزًا جذريًا، ومنفصلاً، يشتاق إلى الظهور الكامل لسلطانه عبر جميع أنحاء العالم.[34]

يرفض المؤمنون أن يصدقوا وجود خيارين فحسب من جهة الانخراط في المجتمع: إما أن تشابه هذا المجتمع أو تنعزل عنه، إما أن تستسلم له أو تهرب منه، إما أن تواكبه بشكل زائد عن الحد أو تخفق في التكيف معه. لكن في المقابل، يشجع إرميا ٢٩ شعب الله على ألا يشابهوا المجتمع الغريب عنهم، بل أن يتحركوا إليه وينخرطوا في حياة المدينة اقتصاديًا وثقافيًا. فقد كان النبي يطلب من الشعب أن يكونوا روحيًا ذوي مجتمعين. فهم لم يُدعوا لكي يعبدوا المدينة ولا لكي يبغضوا المجتمع، بل كي يحبوا المدينة.

يقول باري شوارتز إن البشر منهمكون في سيكولوجيّة من الاستقلال الشخصي.[35] فإن لدينا جميع أنواع الأهداف، والتوقّعات، والرغبات للوصول إلى أسمى المواضع، لأننا أناس نطلب الأفضل، ولأننا منخرطون في مقارنة اجتماعيّة، وفرص مختلطة، وفي ندم، وتكيّف، محاولين استيفاء توقّعاتنا الكبرى. فهو يقول إن هناك سيكولوجيّة من الاستقلال الشخصي، لكن هناك أيضًا منظور آخر يطلق عليه “الوَسَط البيئي للاستقلال الشخصي”. أي أننا إن تتبّعنا سيكولوجيّتنا الخاصة لأجل أهدافنا الخاصة، فإن آجلاً أو عاجلاً، هذا سيدخل في نزاع مع الوسط البيئي للاستقلال الشخصي (أي الهيكل البيئي، الذي فيه كل فرد يسعى نحو أهدافه الشخصية، حتى أن الهيكل الذي يحافظ على الاستقلال الشخصي يضعف)، وحينها لابد من أن يطغى شيء على الآخر. فلا يمكنك أن تتعقّب أهدافك الخاصة وأيضًا تدعم أهداف شخص آخر إن كانا في تناقض مع بعضهما البعض. من الصعب أن نتبع الصالح العام بينما هو في مناقضة حادة مع المصلحة الذاتيّة. ومع ذلك:

يخلق الإنجيل “مجتمع الملكوت” — أي مجتمعًا مناقضًا للمجتمع، وهو الكنيسة — حيث يوجد “كهنة ملوكيون” يُظهرون للعالم ما سيبدو عليه الملكوت المستقبلي (١ بطرس ٢: ٩-١٠). فإننا “نقدم نموذجًا” يبيّن أنه من الممكن لكل الحياة — الممارسات التجاريّة، والعلاقات العرقيّة، والحياة العائليّة، والفن والثقافة — أن تلتئم وتُشفى، وأن يعيد الملك نسجها وصنعها.[36]

وهكذا هذه المجتمعات البديلة المدفوعة بفكرة الملكوت سيكون لديها توازن صحي بين “الوعظ المتين لاهوتيًا، والكرازة النشطة، والدفاعيات، ونمو الكنيسة”، وبين زراعة كنائس “تُسلّط الضوء على التوبة، والتجديد الشخصي، وقداسة الحياة”، وبين جاذبية “الانخراط في الكيانات المجتمعيّة للأناس العاديين، والانخراط الثقافي في الفن، والتجارة، والعلم، والحكومات”[37]. فإن نسيج مجتمعاتنا ودواخل قلوبنا ستظل تتعافى، وستتشكّل ثانية تحت حكم المسيح الملوكي، ذاك الذي هو رأس الخليقة بأكملها.

 

[1] Don Cupitt, “Post-Christianity,” in Religion, Modernity, and Postmodernity, Religion and Spirituality in the Modern World, ed. Paul Heelas (Oxford: Blackwekk, 1998), 218.

[2] Barry Scwartz, The Paradox of Choice: Why More is Less (New York: Hapercollins, 2004), 2–3.

[3] Richard J. Bauckham, God and the Crisis of Freedom: Biblical and Contemporary Perspectives (Louisville, KY: Westminster, 2002), 50–51.

[4] Ibid., 68.

[5] John Bright, The Kingdom of God (Nashville, TN: Abingdon Press, 1980), 196ff.

[6] إن التعريف الرئيسي للكلمة العبريّة malkuth والكلمة اليونانيّة basileia يصف المكانة، والسلطة، والحكم السيادي الذي يُمارَس من قبل ملك. وربما تشير كلمة الملكوت إلى مجال، أو نطاق، أو موضع، أو شعب، لكن هذه تعد تعريفات ثانويّة دخيلة على ذلك التعريف الخاص بحكم ملكي سيادي (انظر مزمور 103: 19؛ 145: 11، 13؛ دانيال 2: 37)

[7] إقرار إيمان هيئة ائتلاف الإنجيل.

[8] Graeme Goldsworthy, “The Kingdom of God and the Old Testament,” http://www.presenttruthmag.com/archive/XXII/22-4.htm

[9] Meredith G. Kline, Kingdom Prologue (Eugene, OR: Wipf & Stock, 2006), 12.

[10] Richard Pratt, “What Is the Kingdom of God?” http://www.thirdmill.org/files/english/html/th/TH.h.Pratt.kingdom.of.god.html.

[11] Goldsworthy, “Kingdom of God and the Old Testament.”

[12] George R. Beasley-Murray, Jesus and the Kingdom of God (Grand rapids, MI: Eerdmans, 1988), 19.

[13] Pratt, “What is the Kingdom of God?”

[14] Ibid.

[15] Beasley Murray, Jesus and the Kingdom of God, 20.

[16] John Piper, “Book Review of the Kingdom of God by John Bright,” http://www.desiringgod.org/ResourceLibrary/Articles/ByTopic/30/2687_Book_Review-of_The_Kingdom_of_God_by_John_Bright/.

[17] George E. Ladd, The Gospel and the Kingdom (Grand rapids, MI: Eerdmans, 1959), 15.

[18] Tim Keller, “Preaching the Gospel,” PT 123 Gospel Communication (Spring 2003): 58–59.

[19] Richard J. Bauckham, Jesus and the God of Israel: God Crucified and Other Studies on the New Testament’s Christology of Divine Identity (Grand Rapids, MI: Eerdmans, 2008), 35.

[20] Piper, “Book Review.”

[21] Craig Koester, “The Dwelling of God: The tabernacle in the Old Testament, Intertestamental Jewish Literature, and the New Testament,” CBQMS, 22 (1989): 102.

[22] Ibid., 102.

يوحنا 1: 51 (“‎مِنَ الآنَ تَرَوْنَ السَّمَاءَ مَفْتُوحَةً، وَمَلاَئِكَةَ اللهِ يَصْعَدُونَ وَيَنْزِلُونَ عَلَى ابْنِ الإِنْسَانِ”).

[23] Herman Ridderbos, The Gospel according to John (Grand rapids, MI: Eerdmans, 1997), 51.

[24] D. A. Carson, The Gospel according to John (Grand rapids, MI: Eerdmans, 1991), 182.

[25] Piper, “Book Review.”

[26] Richard J. Bauckhma, God Crucified: Monotheism and Christology in the New Testament, Didsbury Lectures, 1996 (Carlisle: Paternoster, 1998), viii, 35.

[27] Bauckham, God and the Crisis of Freedom, 17.

[28] John Stott, The Cross of Christ (Downers Grove, IL: InterVarsity, 1986), 160.

[29] Tim Keller, “A Gospel for the More Secular,” http://redeemer.com/resources, and especially his Counterfeit Gods: The Empty Promises of Money, Sex, and Power, and the Only Hope That matters (New York: Dutton, 2009).

[30] Tim Keller, John 12 Sermon, www.redeemer.com/sermons.

[31] من إقرار الإيمان: “تُمثّل الأعمال الصالحة برهانًا رئيسيًا على النعمة المُخلصة… فإننا ينبغي أن نُحب قريبنا كأنفسنا، وأن نعمل الخير للجميع، ولا سيما الذين من أهل الإيمان. وبالتالي فإن هذا يُؤسّس حتميًا مجتمعًا جديدًا من الحياة البشريّة معًا تحت سيادة الله”.

[32] المرجع نفسه: “فإننا ينبغي أن نحب قريبنا كأنفسنا، وأن نعمل الخير للجميع، ولا سيما الذين من أهل الإيمان”.

[33] Tim Keller, “Preaching the Gospel,” 33–34.

[34] الرؤية اللاهوتيّة للخدمة الخاصة بهيئة ائتلاف الإنجيل.

[35] Schwartz, Paradox of Choice, 215–17.

[36] Timothy Keller, “Preaching in a Postmodern City,” (unpublished version), 21.

[37] Ibid.

شارك مع أصدقائك