المعمودية وعشاء الرب

جلستُ على طاولة الطعام أمام ماثيو، ذلك الشاب الخلاق، البالغ من العمر خمسة وعشرون عامًا، والمحب للاستطلاع والبحث، الذي يحب الحياة، والمفعم بالحيويّة. فقد دخل إلى المطعم متألقًا ومبهِجًا مثل نسيم اليوم الكاريبي الدافئ بالخارج. وبعد بضعة دقائق، ابتسم واعتذر عرَضًا عن أي إزعاج يمكن أن يكون قد تسبب فيه.

وإذ أمسكنا بقوائم الطعام، تساءلت بيني وبين نفسي عما يلوح في أفق حديثنا. فعلى الرغم من أن ماثيو كان يرتاد الكنيسة لقرابة العام، لكني لم أكن على يقين تمامًا من حالته الروحيّة، ولم أتوقّع ماذا يمكن أن تكون أسئلته. وبمجرد أن طلبنا طعامنا وأعدنا قوائم الطعام إلى النادِلة، التفت ماثيو إلىَّ وقال: “حسنًا، لديَّ كثرة من الأسئلة”.

أجبته، وقد تنفست الصعداء إذ لن أضطر لمحاولة بذل الجهد لاجتذاب أي حديث من صديقي الشاب: “رائع، ما الذي يدور بخلدك؟”

وفي ذلك اليوم طرح عليَّ ماثيو الكثير من الأسئلة. كان الكثير منها يتعلّق بموضوعات مثل مجد الله وغضبه على الخطاة، وموثوقيّة الكتاب المقدس، والقيامة، وحصرية يسوع [المترجم: أي أن يسوع هو الطريق الوحيد للخلاص]، وأيضًا المستقبل. ولقرابة الساعتين، استمتعنا معًا باستكشاف رائع حقًا لتعاليم الكتاب المقدس بشأن هذه الموضوعات.

لكن قرب نهاية حديثنا، ساورني بعض القلق من أن ماثيو، بينما كان يسأل أسئلة لاهوتية كبرى، كان قد أخفق في التعامل مع الجوهر الشخصي للأمر. فسألته: “ماثيو، كيف ستتصرف حيال خطاياك؟”

حينئذ بلع ريقه، وقد أصيب بالذهول قليلاً، وأجاب: “أرجو أن يكون يسوع قد تولّى أمرها”. ثم استطرد ليخبرني كيف أنه قبل المسيح مخلصًا وربًا منذ ستة أشهر. وفي ختام قصته، قال: “أريد أن أنضم إلى الكنيسة، لكني لست مستعدًا بعد للمعمودية”.

لقد وصل ماثيو إلى نقطة يصل إليها أحيانًا العديد من المؤمنين. فقد فهم الإنجيل، واتّكل على يسوع في شأن خلاصه، لكنّه لم يكن قد أدرك بعد علاقة هذا بالكنيسة المحليّة. بكلمات أخرى، لم يكن قد تمكن بعد من رؤية أن الرب قد عيَّن فريضتين تميّزان كلاً من بداية دخوله إلى الحياة المسيحيّة، وشركته المستمرة مع المسيح. وفي تعيين الرب هاتين الفريضتين للكنيسة، دبّر لنا “كلمات منظورة” تنقل فكرة اتحاد المؤمن مع المسيح في موته، ودفنه، وقيامته (المعموديّة)، والتنفيذ العملي لذلك الاتحاد، أي الشركة المستمرة مع الرب (عشاء الرب). كلا الفريضتين، إذن، لا تصيران مجرد فرائض ينبغي طاعتها، بل أيضًا وسائط نعمة لنتشدّد ونستمتع بها حتى يأتي المسيح ثانية.

المعموديّة:

أعيش في دولة صار الكثيرون فيها يعتقدون أن “المؤمن القريب من الكمال” وحده هو الذي يمكن أن ينال المعموديّة. البعض قد نسبوا أهمية بالغة للمعموديّة حتى أن الفريضة لم تعد تنطبق على “المؤمن العادي” الذي يختبر عدم الكمال، ويصارع مع الخطايا. فهم يفترضون أن تأجيل المعمودية هو المسار الملائم لغالبية المؤمنين. وفي أثناء تناولنا الطعام معًا، عبَّر ماثيو عن هذه المعتقدات عينها.

أدرك جيدًا أن المؤمنين في مواضع أخرى كثيرة من العالم يخطئون خطأ على النقيض تمامًا من هذا. فهم ينسبون للمعمودية أهمية ضئيلة للغاية. فقد تكون المعمودية بالنسبة لهم طقسًا تقوم به “حين تكون قد وصلت للمرحلة العمرية المناسبة”، أو قد تكون ممارسة اختياريّة عديمة الأهمية متروكة كخيار أمام كل مؤمن. فهي بند يتم وضع علامة أمامه في قائمة الأعمال الروحيّة المُنجَزة، ثم يُنسى أمره تمامًا.

قد يقع المؤمنون في أي من هذين الخطأين: إما أن ينسبوا أهمية ضئيلة بما يزيد عن الحد أو كبيرة بما يزيد عن الحد للمعموديّة. وإذ نفعل هذا، نُخاطر بفقدان روعة وغنى وصية نطق بها يسوع نفسه، ومارستها الكنائس المسيحيّة لقرابة الألفي عام. والحل لهذه المشكلة هو أن نتبنّى فهمًا كتابيًا للمعموديّة يغرسنا بعمق في عمل ربنا يسوع المسيح المنعِم والفعّال نيابة عن الخطاة.

ما هي المعموديّة؟

وفقًا لأبسط معنى ممكن للكلمة، تعد المعمودية علامةً وختمًا. كما جاء في إقرار إيمان ويستمنستر: إن المعمودية “هي علامة وختم لعهد النعمة، ولغرس [المؤمن] في المسيح، وللتجديد، ولغفران الخطايا، ولتسليم حياته لله، بيسوع المسيح، كي يسلك في جدة الحياة” (٢٨: ١).

تعد العلامة رمزًا يشير إلى حقيقة أو إلى فكرة أعظم. فإن المعمودية هي “ضوء أبيض يومض بالكلمات ’إنجيل، إنجيل، إنجيل‘”.[1] حين تمارس الكنيسة المعموديّة، فهي تشهد عن موت، ودفن، وقيامة يسوع المسيح، وتمثّل اتحاد الخاطئ مع المسيح في كل ما فعله وأتمّه نيابة عنا.

إلا أن المعموديّة (وعشاء الرب أيضًا، في هذا الشأن) هي أيضًا ختم:

ليست الفرائض المقدسة مجرد علامات توجّه أنظارنا إلى يسوع المسيح كما يقدمه الإنجيل، وبهذا تذكِّرنا بنعمته التي قدمها للعالم أجمع. لكنها أيضًا أختام، تؤكد لنا بأن نعمة الله ووعده قد وُهبا لنا بصورة خاصة. هذه الكلمة “ختم”، حين كانت تُستخدَم في سياق عصر الإصلاح، كانت تشير إلى الختم الشمعي الذي كان يميّز وثيقة ما بكونها رسمية وملزِمة قانونيًا. وفي هذا السياق، تعد المعموديّة هي الختم الذي به يأخذ الله الوعد العام للإنجيل ويقوم بتطبيقه علينا بصورة خاصة. في العالم القديم، كانت الكلمة نفسها أيضًا تشير إلى علامات توضع على الجسد — مثل وسم أو وشم كعلامة على الملكية. وهكذا فإننا نحمل “سمة” بموت المسيح وقيامته، كما يُرى من خلال كل من المعمودية وعشاء الرب.[2]

ربما يضع حاكم أو ملك ما ختمه على مرسوم أو قانون رسمي. كما يمكن للمراسلات الآتية من قاضٍ أو شخص ذي نفوذ أن تحمل ختمًا أو وسمًا ينتمي إلى منصب هذا الشخص أو عائلته. أو يمكن للعبد أيضًا أن يحمل وسم أو علامة مالكه. فيعلم من يرونه أو العامة بهذا أن حامل مثل هذا الختم أو مثل هذه العلامة ينتمي إلى مالكه.

في المعموديّة، يضع الله وسمه وعلامته على من يعتمد. فينال المؤمن التائب والمجاهر بإيمانه ختم الملكيّة السماويّة. وهكذا، يتحدث الله إلينا في المعموديّة قائلاً: “هذا الشخص المختوم أو الذي يحمل هذه السمة ينتمي لي”.

في المذهب الإنجيلي المعاصر، يتحدث الناس كثيرًا عن القيام “بمجاهرة علنية بالإيمان”. وهذه العبارة قد صارت مرتبطة بأفعال معينة مثل الاستجابة إلى دعوات التقدم للأمام في الكنيسة، أو تلاوة صلوات معينة، أو التوقيع على بطاقات. هذه الأفعال بوجه عام تسلّط الضوء على ما نقوله لله. ولكن للأسف، الكثير من هذه الممارسات أسلمتنا للتفكير فيما نقوله فحسب، غير مدركين أن الله يرغب في التحدث إلى شعبه عن محبته. كما يقوم البعض بما نطلق عليه الفعل أو الخطاب الحاسم. لكن الكتاب المقدس لا يؤيد على الإطلاق أيًا من هذه الممارسات. لكن مع ذلك، كان لدى الرسل والكنيسة الأولى وسيلة يجاهر بها الخطاة التائبون علنًا بإيمانهم، كي يكون هذا دلالة على إيمانهم بالمسيح، وهذه الوسيلة هي أنهم ينالون ختم خلاص الله — أي المعموديّة.

روعة وجمال المعموديّة:

يمكننا ملاحظة جمال المعموديّة وروعتها من خلال تناولنا لما تعنيه، إذ أن المعموديّة تربط المؤمن بصورة عجيبة بالغنى الكثير المُذخَّر في المسيح.

كفارة المسيح. أولاً، تصوّر لنا المعموديّة الكفارة التي صنعها يسوع بصورة مرئيّة. فإن الفداء وغفران الخطايا هما أمران محوريان في عمل المسيح، ولهذا فهما محوريان بالنسبة لمعنى المعمودية:

وَإِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا فِي الْخَطَايَا وَغَلَفِ جَسَدِكُمْ [في الترجمة الإنجليزية: “غلف طبيعتكم الخاطئة”]، أَحْيَاكُمْ مَعَهُ، مُسَامِحًا لَكُمْ بِجَمِيعِ الْخَطَايَا، إِذْ مَحَا الصَّكَّ الَّذِي عَلَيْنَا فِي الْفَرَائِضِ، الَّذِي كَانَ ضِدًّا لَنَا، وَقَدْ رَفَعَهُ مِنَ الْوَسَطِ مُسَمِّرًا إِيَّاهُ بِالصَّلِيبِ، إِذْ جَرَّدَ الرِّيَاسَاتِ وَالسَّلاَطِينَ أَشْهَرَهُمْ جِهَارًا، ظَافِرًا بِهِمْ فِيهِ [في الترجمة الإنجليزية: “في الصليب”]”. (كولوسي ٢: ١٣-١٥)

في المعمودية، نتذكّر معموديّة ربنا نفسه عنا. فقد علّم المخلص قائلاً: “وَلِي صِبْغَةٌ [في الترجمة الإنجليزية: “لي معمودية”] أَصْطَبِغُهَا [في الترجمة الإنجليزية: “اعتمد بها”]، وَكَيْفَ أَنْحَصِرُ حَتَّى تُكْمَلَ؟” (لوقا ١٢: ٥٠). وحين طلب التلميذان ذوي الطموح الزائد عن الحد أن يجلسا بجانب يسوع في ملكوته، جعلهما يتضعان بأن أجابهما قائلاً: “لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مَا تَطْلُبَانِ. أَتَسْتَطِيعَانِ أَنْ تَشْرَبَا الْكَأْسَ الَّتِي أَشْرَبُهَا أَنَا، وَأَنْ تَصْطَبِغَا [في الترجمة الإنجليزية: “تعتمدا”] بِالصِّبْغَةِ [غي الترجمة الإنجليزية: “بالمعمودية”] الَّتِي أَصْطَبغُ [في الترجمة الإنجليزية: “اعتمد”] بِهَا أَنَا؟” (مرقس ١٠: ٣٨). إن الكأس التي شربها المعلم والسيد كانت هي كأس غضب الله على الخطايا. وكانت المعمودية المؤلمة التي قاساها هي معمودية الصليب حيث صنع استرضاء وكفارة عن خطايا العالم (١ يوحنا ٢: ٢).

فإن المعموديّة إذن تذكّر الكنيسة وأيضًا المؤمن الفرد بصليب يسوع، حيث رفع يسوع خطايانا مسمّرًا إيّاها، وحيث صارت غلبة يسوع هي غلبتنا. فإن المعموديّة تذكرنا بأن المسيح قد قاسى دينونتنا وصنع لنا سلامًا مع الله.

الاتحاد مع المسيح. ثانيًا، تصور المعموديّة الاتحاد الروحي للخاطئ مع يسوع في موته، ودفنه، وقيامته.

فَمَاذَا نَقُولُ؟ أَنَبْقَى فِي الْخَطِيَّةِ لِكَيْ تَكْثُرَ النِّعْمَةُ؟ حَاشَا! نَحْنُ الَّذِينَ مُتْنَا عَنِ الْخَطِيَّةِ، كَيْفَ نَعِيشُ بَعْدُ فِيهَا؟  أَمْ تَجْهَلُونَ أَنَّنَا كُلَّ مَنِ اعْتَمَدَ لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ اعْتَمَدْنَا لِمَوْتِهِ، فَدُفِنَّا مَعَهُ بِالْمَعْمُودِيَّةِ لِلْمَوْتِ، حَتَّى كَمَا أُقِيمَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ، بِمَجْدِ الآبِ، هكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضًا فِي جِدَّةِ الْحَيَاةِ؟ لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا قَدْ صِرْنَا مُتَّحِدِينَ مَعَهُ بِشِبْهِ مَوْتِهِ، نَصِيرُ أَيْضًا بِقِيَامَتِهِ”. (رومية ٦: ١-٥)

فحين مات يسوع، متنا معه. وحين دُفن، دُفنا معه. وحين قام، قمنا نحن أيضًا! فإذ نتحد مع المسيح بالإيمان، ننال فوائد ومزايا حياة يسوع، وموته، وقيامته. وبالإيمان نشترك على نحو بديلي في كل ما فعله يسوع. وتقدم المعموديّة صورة لتلك الحقيقة الروحيّة.

يعد اتحادنا مع المسيح شديد القوة حتى أن البعض شبهوا المعموديّة بالزواج. على سبيل المثال، كتب ماريون كلارك الآتي: “إن الله هو عريسنا، الذي اختارنا، ودفع مهر الزواج، ووهبنا خاتمه حتى يعلم الجميع أننا ننتمي له. بل والأكثر من هذا، أنه فعل هذا أيضًا كي يبّين لنا نحن أننا ملكه. فإن طقس المعموديّة يؤكّد على أن محبته لنا ليست خيالاً أو وهمًا بل حقيقة”.[3] فإننا في المعموديّة نتبادل العهود التي توحّد المسيح، العريس، بعروسه، التي هي الكنيسة.

الاتحاد مع الكنيسة. إن المعموديّة لا تقدّم صورة عن اتحادنا مع المسيح فحسب، بل أيضًا تقدّم صورة عن اتحادنا مع جسده، أي الكنيسة. فإذ ننضم إلى المسيح بالإيمان وبعمل الروح القدس، فإننا بهذا الروح عينه أيضًا، “جَمِيعَنَا بِرُوحٍ وَاحِدٍ أَيْضًا اعْتَمَدْنَا إِلَى جَسَدٍ وَاحِدٍ” (١ كورنثوس ١٢: ١٣). أو كما كتب الرسول بولس في موضع آخر: “جَسَدٌ وَاحِدٌ، وَرُوحٌ وَاحِدٌ، كَمَا دُعِيتُمْ أَيْضًا فِي رَجَاءِ دَعْوَتِكُمُ الْوَاحِدِ. رَبٌّ وَاحِدٌ، إِيمَانٌ وَاحِدٌ، مَعْمُودِيَّةٌ وَاحِدَةٌ، إِلهٌ وَآبٌ وَاحِدٌ لِلْكُلِّ، الَّذِي عَلَى الْكُلِّ وَبِالْكُلِّ وَفِي كُلِّكُمْ” (أفسس ٤: ٤-٦).

فإن الأفراد الذين يعتمدون يجاهرون بانضمامهم إلى جسد المسيح بالإيمان. فإن ذلك الاتحاد مع المسيح يُستعلَن من خلال الاتحاد مع شعبه، الذي يظهر بأكثر صورة ملموسة من خلال الالتزام والعضويّة في كنيسة محليّة.

فكلما وُلد طفل لزوجين، تزورهم العائلة والأصدقاء في المشفى، ويتمنون لهم أماني طيبة، ويبتهجون بهذه الحياة الجديدة التي أضيفت إليهم. هكذا أيضًا، حين ينال الناس علامة وختم المعموديّة، يصيرون جزءًا من عائلة الله، أي الكنيسة. ويتمتعون بامتيازات ومسئوليّات العضويّة في هذه العائلة. ويشرح دون ويتني هذا جيدًا، ويقول: “حين يأتي الله بشخص إلى الحياة الروحيّة، فإن ذلك الشخص يدخل إلى جسد المسيح الروحي غير المنظور — أي الكنيسة الكونيّة. وحين يتم تصوير هذا الاختبار الروحي من خلال معمودية الماء، فإن هذا يعد دخولاً رمزيًا لهذا الفرد إلى جسد المسيح الملموس والمنظور — أي الكنيسة المحليّة”.[4]

التكريس لله. أخيرًا، لابد أن ندرك أن المعموديّة تدلّل على تكريس أنفسنا لله. ففي المعموديّة نُفرَز لعبادة إله خلاصنا ولخدمته. فإننا نمتاز عن العالم ونُختَم كأناس منتمين لله. ولهذا السبب يكتب الرسول بولس كثيرًا في العهد الجديد عن متطلبات أخلاقيّة في أثناء تناوله لموضوع المعمودية. على سبيل المثال:

وَبِهِ أَيْضًا خُتِنْتُمْ خِتَانًا غَيْرَ مَصْنُوعٍ بِيَدٍ، بِخَلْعِ جِسْمِ خَطَايَا الْبَشَرِيَّةِ، بِخِتَانِ الْمَسِيحِ. مَدْفُونِينَ مَعَهُ فِي الْمَعْمُودِيَّةِ، الَّتِي فِيهَا أُقِمْتُمْ أَيْضًا مَعَهُ بِإِيمَانِ عَمَلِ اللهِ، الَّذِي أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ. (كولوسي ٢: ١١-١٢)

كَذلِكَ أَنْتُمْ أَيْضًا احْسِبُوا أَنْفُسَكُمْ أَمْوَاتًا عَنِ الْخَطِيَّةِ، وَلكِنْ أَحْيَاءً للهِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا. إِذًا لاَ تَمْلِكَنَّ الْخَطِيَّةُ فِي جَسَدِكُمُ الْمَائِتِ لِكَيْ تُطِيعُوهَا فِي شَهَوَاتِهِ، وَلاَ تُقَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ آلاَتِ إِثْمٍ لِلْخَطِيَّةِ، بَلْ قَدِّمُوا ذَوَاتِكُمْ للهِ كَأَحْيَاءٍ مِنَ الأَمْوَاتِ وَأَعْضَاءَكُمْ آلاَتِ بِرّ للهِ. فَإِنَّ الْخَطِيَّةَ لَنْ تَسُودَكُمْ، لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ تَحْتَ النَّامُوسِ بَلْ تَحْتَ النِّعْمَةِ. (رومية ٦: ١١-١٤)

فإذ تتحد حياتنا مع المسيح بالإيمان وبغرس الروح، نصير مُلزَمين بأن نحيا حياة “مختونة”، وأن “نخلع جسم خطايا البشرية”. فإننا “نحسب أنفسنا أمواتًا عن الخطية، ولكن أحياء لله بالمسيح يسوع”، و”نقدم ذواتنا لله”. وإذ متنا مع المسيح، فإن الخطية لم تعد تملك علينا. فقد تحررنا من طغيان وسيادة الإثم. فإن “إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ قَدْ صُلِبَ مَعَهُ لِيُبْطَلَ جَسَدُ الْخَطِيَّةِ، كَيْ لاَ نَعُودَ نُسْتَعْبَدُ أَيْضًا لِلْخَطِيَّةِ” (رومية ٦: ٦). فإننا صرنا ننتمي إلى سيد جديد. وقد يضيف أنصار “معمودية المؤمن” (credobaptists) أننا ننزل إلى “القبر المائي” كي نقوم في جدة الحياة.[5]

إن معموديتنا تُلزِمنا بأن نحيا في البر كيما نكرم ربنا الذي دُفنا معه في المعموديّة، وقمنا معه إلى الحياة، ولا نخزيه أو نلحق به العار. فلا يمكننا التراجع. فقد دخلنا إلى العهد الجديد، وأقسمنا بالولاء لملكنا. والآن لابد أن نحيا كمواطنين وكخدام لملكوته.[6]

لم يستطع صديقي ماثيو أن يرى روعة وجمال المعموديّة. فقد اعتقد أنها في الأساس شيئًا يقول به للعالم: “انتبهوا، أنا أحيا ليسوع، ولا أنوي أن أفسد الأمر”. لكنه أخفق في إدراك أن الله هو من يقول في المعموديّة: “انتبه، أنت تنتمي لي، فقد خلقتك من جديد. وستحيا لي لأني سأحيا فيك”.

حين يُنظَر إلى المعموديّة من هذا المنظور، تكتسب جمالاً وأهمية تستحقها. وتصير من وسائط النعمة للمؤمن، وتذكارًا للإنجيل وللمخلص اللذين أنقذانا.

علاوة على ذلك، إن المعموديّة تفتح الباب لشركة مستمرة مع ربنا. وتلك الشركة المستمرة مع الرب تظهر بوضوح في علامة أخرى أو ختم آخر، وهو عشاء الرب أو مائدة الشركة.

أنصار معموديّة الأطفال (Paedobaptists) وأنصار معموديّة المؤمن (Credobaptists):

[دانكان]: أحب الكيفية التي بها يقدم ثابيتي عقيدة المعموديّة هنا، والمنظور الرعوي الذي يقدمه لنا عن أهميتها في حياة المؤمنين. فهو، كمعمداني، وأنا، كمشيخي، نتفق معًا حتى الآن. لكننا نرغب أيضًا في أن نقر بوجود بعض نواحي الخلاف التي لا يُستهان بها بين أعضاء هيئة ائتلاف الإنجيل المتحدين في كل شيء من جهة موضوع المعموديّة فيما عدا هذه النواحي. فإننا نتفق بوجه عام على معنى المعموديّة، وأهميّتها، ودورها، لكن توجد بعض أوجه الخلاف بشأن طريقة ممارسة المعمودية، ومن يخضعون لها (أي المتلقّين الحقيقيين للمعموديّة). هذه الاختلافات ليست تافهة، ولذلك نود أن يكرم أحدنا ضمير الآخر تحت سلطان كلمة الله، ونريد لأعضاء كنائسنا أن يفهموا هذه الموضوعات ويأخذوها على محمل الجد.[7]

البعض منّا في هيئة ائتلاف الإنجيل يؤيدون فكرة معمودية المؤمنين فحسب (credobaptists) (وهم مؤمنون أمثال ثابيتي يعتقدون بأن المؤمنين وحدهم هم من لابد أن يعتمدوا)، وآخرون منّا يؤيدون فكرة معموديّة الأطفال (paedobaptists) (وهم مؤمنون مثلي يعتقدون بأن المؤمنين وأطفالهم على حد سواء لابد أن يعتمدوا). كلا المجموعتين تسعيان لتأصيل ممارستهما للمعموديّة في أساس تعليم كلمة الله، لكن كليهما تصلان إلى استنتاجات مختلفة بشأن ما يعلم به الكتاب المقدس عن المتلقين الحقيقيين للمعموديّة.

يؤمن الإنجيليون المؤيدون لمعموديّة الأطفال أن الكتاب المقدس يعلّم بأن الكنيسة لابد أن تعمد كلاً من أطفال المؤمنين والمؤمنين البالغين المجاهرين بإيمانهم، الذين لم يعتمدوا قبلاً. فإننا نؤمن أن المعموديّة هي علامة العهد الجديد التي تشير إلى وعد الله الخلاصي المنعِم لشعبه بل وتؤكّده، وإلى تحقيق هذا الوعد في يسوع المسيح. فإننا نؤسّس ممارسة المعموديّة للمؤمنين وأطفالهم على أساس فهمنا لنصوص مثل تكوين ١٧، ومتى ٢٨، وكولوسي ٢، و١ كورنثوس ٧، وأعمال الرسل ٢، و١٦.

وإننا لنتفق مع أحبّائنا من مؤيدي معموديّة المؤمنين البالغين فحسب على أن (١) المسيح يوصي بالمعموديّة المسيحيّة في متى ٢٨: ١٩-٢٠ (“اذْهَبُوا… وَتَلْمِذُوا … وَعَمِّدُوهُمْ … وَعَلِّمُوهُمْ”) وعلى أن (٢) المؤمنين لابد أن يعتمدوا كما جاء في أعمال الرسل ٨:

فَفَتَحَ فِيلُبُّسُ فَاهُ وابْتَدَأَ مِنْ هذَا الْكِتَابِ فَبَشِّرَهُ بِيَسُوعَ. وَفِيمَا هُمَا سَائِرَانِ فِي الطَّرِيقِ أَقْبَلاَ عَلَى مَاءٍ، فَقَالَ الْخَصِيُّ: «هُوَذَا مَاءٌ. مَاذَا يَمْنَعُ أَنْ أَعْتَمِدَ؟» فَقَالَ فِيلُبُّسُ: «إِنْ كُنْتَ تُؤْمِنُ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ يَجُوزُ». فَأَجَابَ وَقَالَ: «أَنَا أُومِنُ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ ابْنُ اللهِ». فَأَمَرَ أَنْ تَقِفَ الْمَرْكَبَةُ، فَنَزَلاَ كِلاَهُمَا إِلَى الْمَاءِ، فِيلُبُّسُ وَالْخَصِيُّ، فَعَمَّدَهُ”. (الآيات ٣٥–٣٨)

لكننا نختلف حول نقطة ثالثة، فإن مؤيدي معمودية الأطفال يؤمنون أيضًا بأن المؤمنين المسيحيين وأطفالهم لابد أن يعتمدوا. وإن كان ينبغي أن نختزل حجتنا الكتابيّة بشأن معمودية المؤمنين وأطفالهم في جملة واحدة (وإن كانت الحجة أكثر تعقيدًا من هذا!)، فستكون شيئًا من قبيل هذا:

لقد قطع الله وعودًا للمؤمنين وأطفالهم في كل من العهد القديم والعهد الجديد، وربط تلك المواعيد بعلامات في كل من العهد القديم والعهد الجديد، كما طالب بوضوح وصراحة بأن تُصنع علامة تشير إلى بداية الدخول في عشيرته (الختان) للمؤمنين وأطفالهم في العهد القديم، وعيّن ضمنيًا أن تُصنَع علامة إشارة إلى بداية الدخول في العهد الجديد (المعموديّة) للمؤمنين وأطفالهم في أسفار العهد الجديد.

يختلف مؤيدو معموديّة المؤمنين مع هذا ويقولون إن مؤيدي معمودية الأطفال لا يسيئون فحسب فهم النصوص التي استشهدنا بها، بل أيضًا إن إشارات العهد الجديد للمعموديّة تتضمن وصية بتعميد فقط من يجاهرون بإيمان شخصي بيسوع المسيح (مثل: أعمال الرسل ٢: ٤١؛ ٨: ١٢؛ ١٠: ٤٤-٤٨؛ رومية ٦: ٣-٤؛ غلاطية ٣: ٢٧)، ويصرّون على أن نصوصًا مثل إرميا ٣١ تعلّم بأن الكنيسة، تحت حيثيات وبنود العهد الجديد، هي جماعة تشمل التلاميذ المؤمنين، وأنها في هذا تختلف عن جماعة المؤمنين تحت حيثيات العهد القديم، التي كانت تشمل بوضوح أطفالاً.

أما مؤيدو معموديّة الأطفال، فهم، على الصعيد الآخر، يؤمنون بأن عضويّة الكنيسة المحليّة تتألّف من المؤمنين وأطفالهم، وفي هذا لا يختلف العهد الجديد عن العهد القديم. وهكذا، فإن الاختلاف في عقيدة الكنيسة (إكليسيولوجي) هو أحد العوامل الرئيسيّة في الخلاف بين مؤيدي معموديّة المؤمنين ومؤيدي معموديّة الأطفال بشأن مُتلقّي المعموديّة الحقيقيين.

أما الخلاف الأقل أهمية من هذا، فهو يختص بطريقة ممارسة المعموديّة. فإن مؤيدي معموديّة المؤمنين يتجادلون بوجه عام حول أن المعموديّة لابد أن تُجرى فقط بالغمر، أي تغطيس الشخص في الماء. وهم عادة ما يصرّون أيضًا على أن هذه الطريقة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بوصية يسوع حتى أن من لم يتم تغطيسهم لم ينالوا المعموديّة البتة. في المقابل، يؤمن غالبيّة مؤيدي معمودية الأطفال بأن المعموديّة تتم على أكمل وجه بالسكب (أي سكب الماء أو رشه على المُتلقّي) لكن الطريقة ليست هي أساس وجوهر الطقس؛ وهكذا، فإن التغطيس يعد طريقة مقبولة، لكنها ليست ملزمة، للمعموديّة.

أولئك الذين يتجادلون لصالح التغطيس يفعلون هذا بناء على بعض الأسس. فهم يؤكدون على أن الكلمة اليونانيّة التي تعادل كلمة “معموديّة” تعني “غمر”، وأن نماذج المعموديّة الموجودة في العهد الجديد (مثل: متى ٣: ١٦؛ مرقس ١: ٥، ١٠؛ يوحنا ٣: ٢٣؛ أعمال الرسل ٨: ٣٦-٣٨) تشير إلى أن التغطيس كان هو الطريقة المتبعة، كما أن بولس يعلّم عن التغطيس في شرحه للمعموديّة في رومية ٦: ١-١١ (انظر أيضًا كولوسي ٢: ١١-١٢)، وأيضًا يقولون إن النصوص التي يستشهد بها مؤيدو معموديّة الأطفال كأمثلة على عدم ممارسة التغطيس هي نصوص غير مقنعة.

أما أولئك الذين يتجادلون لصالح السكب أو الرش، فهم يقولون إنه توجد مواضع في الاستخدام الكتابي للمعمودية حيث لا يمكن أن تعني الكلمة فيها “التغطيس” (مثل: لاويين ١٤: ٦، ٥١؛ أعمال الرسل ١: ٥؛ ١ كورنثوس ١٠: ٢؛ عبرانيين ٩: ١٠-٢٣)، وأن نصًا واحدًا فحسب في العهد الجديد هو الذي يصف بالفعل طريقة المعمودية (أعمال الرسل ١-٢)، أما بقية النصوص الأخرى جميعها فهي تصف فقط موضع ممارسة المعمودية (متى ٣؛ مرقس ١؛ أعمال الرسل ٨)، وليس طريقة ممارستها. كما توجد مواضع في العهد الجديد حيث يكون التغطيس فيها مستبعدًا أو مستحيلاً (أعمال الرسل ٩: ١٧-١٨؛ ١٠: ٤٧؛ ١٦: ٣٢-٣٣)، وفوق كل هذا أيضًا أن معموديّة الماء تشير إلى معموديّة الروح القدس، والتي يُشار إليها فقط بالسكيب، وليس بالتغطيس أو الغمر (انظر أعمال الرسل ١: ٤-٥؛ ٢: ٢-٣؛ قارن متى ٣: ١١؛ لوقا ٣: ١٦؛ أعمال الرسل ١١: ١٥-١٦).

وعلى الرغم من هذه الاختلافات القائمة والهامة، إلا أن كلا الجانبين قادران على التصديق على الفقرة الثانية عشر من إقرار إيمان هيئة ائتلاف الإنجيل. علاوة على ذلك، نحن نتفق معًا أيضًا في رفضنا لفكرة التجديد من خلال المعموديّة. فإن هذا الرأي، الذي يعتنقه الكاثوليكيّون الرومانيّون، والأرثوذكسيّون الشرقيّون، والأنجيليكان التقليديّون أو الأنجلو كاثوليكيّون، واللوثريّون، وجماعات أخرى مثل كنيسة المسيح، يفيد بأن معمودية الماء هي “المسبّب الرئيسي للتجديد، إذ تنتقل نعمة التجديد بشكل فعّال من خلال ممارسة ذلك الطقس أينما يتم كما ينبغي”.[8]

وبدون أن نحط بأية صورة من الصور من قدر المعموديّة أو ضرورتها لأجل الطاعة المسيحيّة، فإننا نرفض كون معموديّة الماء تُجدّد أو تتسبّب في الولادة الجديدة. فإن علامات العهد أو الفرائض في الكتاب المقدس، على نحو متسق، تؤدّي دورها كدلالة وكتأكيد على الحقائق الروحيّة التي تمثّلها هذه العلامات، لكنها في المقابل لا تُنشئ هذه الحقائق.

هذا هو بالتحديد ما عناه بولس في رومية ٤: ١-١٢ بشأن اختتان إبراهيم. فإن إبراهيم لم يتبرّر عن طريق اختتانه بل قبل أن يُختتَن، ثم أعطاه الله الختان كعلامة العهد للتأكيد على تبريره، وليس لإنشاء هذا التبرير (تكوين ١٥)، قبل حتى أن يُختتَن إبراهيم (تكوين ١٧). وهكذا فإننا نتّفق مع اللاهوتي الطهوري (البيوريتاني) ستيفن شارنوك، الذي يقول إن التجديد:

ليس هو المعموديّة الظاهرة. فإن كثيرين يعتبرون معموديتهم هي التجديد. وقد اعتاد القدماء على إطلاق هذا الاسم عليها. فإننا بهذا أيضًا نطلق على معموديّة مخلصنا تجديده. هذه المعموديّة لا تنشئ نعمة ما أو تنقلها، بل هي تترتب عليها. فإن الماء الخارجي لا يمكن أن ينقل حياة داخليّة. كيف لشيء مادي كالماء أن يعمل في النفس على نحو روحي؟ كما أنه لا يمكن إثبات أن روح الله مرتبط بأيّة صورة من الصور بأي وعد يفيد بأنه يعمل في النفس ليعطيها نعمة حين يوضع الماء على الجسد. فإن كان الأمر هكذا، فإن جميع من اعتمدوا إذن قد تجدّدوا، وجميع من اعتمدوا قد خلصوا، وإلا فإن عقيدة الضمان الأبدي تبطل. فإن المعموديّة تعد وسيلة لنقل هذه النعمة، حين يسر الروح أن يعمل من خلالها. لكنها لا تعمل في النفس كمسبّب مادي، كما يعمل المطهر المعوي على سوائل الجسم، فهي تعد فريضة التجديد كما أن عشاء الرب يعد فريضة التغذية. كما أن الرجل لا يمكن أن يُقال عنه أنه يتغذّى دون إيمان، هكذا أيضًا لا يمكن أن يُقال عنه أنه خليقة جديدة دون الإيمان. ضع ألذ اللحوم طعمًا في فم رجل ميت، فإنك بهذا لا تطعمه، لأنه يريد مصدر حياة كي يتسنّى له أن يمضغ الطعام ويهضمه. فإن الإيمان وحده هو مصدر الحياة الروحيّة، وهذه الحياة تحصل على غذائها من الوسائط التي عيّنها الله. البعض يقولون إن التجديد يتم في المعموديّة على المختارين، ويظهر بعد هذا عمليًا في الاهتداء. إلا أن الكيفيّة التي يمكن بها لمصدر بهذا النشاط كالحياة الروحيّة أن يقبع ميتًا، ويغلب عليه النعاس لفترة طويلة هكذا، إلى بضعة سنوات تفصل بين المعمودية والاهتداء، ليست سهلة الفهم والاستيعاب.[9]

في كثير جدًا من الأحيان يُتّهَم المؤمنون الذين يرفضون عقيدة التجديد بالمعموديّة بأنهم يختزلون المعموديّة إلى “مجرد علامة”، أي يجعلونها رمزًا فارغًا لا “يفيد شيئًا”. لكن الأمر ليس هكذا. فإن المعموديّة هي وسيلة الله ليس لتجديدنا أو لتبريرنا، بل للتأكيد على وعده لنا، ولوضع سمته علينا، وليعطينا اليقين في محبته. وكل هذا يزيد إيمان المؤمن ويشدّده، وهكذا يعزّز نمونا في النعمة.

ولهذا يحث دليل أسئلة وإجابات ويستمنستر الأكبر المؤمنين على أن “يستفيدوا من معموديتهم” في كل مرة يعاينون شخصًا آخر يعتمد. ماذا كان هؤلاء اللاهوتيون يعنون بتحريضنا على الاستفادة من معموديتنا؟ أن نستفيد من معموديتنا يعني أن نتأمّل في بركاتها، وأن نستخدمها، ونستفيد بها بأكبر قدر ممكن، ونحصل على أقصى فائدة منها باعتبارها وسيلة للنمو في النعمة، وخاصة حين نكون حاضرين في وقت ممارستها في فترة العبادة العامة. يقول الدليل الأكبر الآتي:

إن ذلك الواجب الذي نحتاج أن نؤدّيه، والذي كثيرًا ما يتم إهماله، ذلك الخاص بالاستفادة من معموديتنا، لابد أن نؤديه طوال حياتنا، وخاصة في وقت التجربة، وحين نكون حاضرين في أثناء إجرائها لآخرين؛ وهذا نفعله من خلال التأمل الجاد والشاكر في طبيعة المعموديّة، وفي الأهداف التي لأجلها أسّسها المسيح، وفي الامتيازات والفوائد التي تُوهب لنا ونُختَم بها، وفي العهد المهيب الذي تعهدنا به فيها. كما نقوم بهذا أيضًا بأن نتّضع لأجل تنجسنا بالخطية، وبعدنا عن مقياس نعمة المعمودية، وسلوكنا في مناقضة لها، وانشغالنا؛ وأيضًا من خلال الوصول إلى يقين بالصفح عن خطايانا، وبنوالنا جميع البركات الأخرى المختومة لنا في تلك الفريضة المقدسة؛ ومن خلال نوال قوة من موت المسيح وقيامته، الذي فيه اعتمدنا، لإماتة الخطية، وإحياء النعمة؛ كما نفعل هذا من خلال السعي نحو الحياة بالإيمان، وأن تكون سيرتنا في القداسة والبر، كمن تنازلوا في هذه الفريضة عن هويتهم للمسيح؛ وأخيرًا من خلال السلوك في المحبة الأخويّة، كمن اعتمدوا بروح واحد إلى جسد واحد.[10]

وفي هذا الأمر يتفق مؤيدو معموديّة الأطفال ومؤيدو معموديّة المؤمنين معًا قلبًا وقالبًا.

عشاء الرب:

أتذكر [أنيوبوايل] يوم زفافي وكأنه كان البارحة. فقد كان في يوم رطب للغاية من أيام شهر أغسطس (اليوم الحادي والثلاثين من الشهر، في حال قرأت زوجتي هذا). وقد تزوّجنا في الباحة الأمامية لمنزل والدة زوجتي، مرتدين ثيابًا أفريقيّة تقليديّة، وحضر العرس مجموعة صغيرة من العائلة والأصدقاء المقرَّبين. وقد كان زفافنا بمثابة بداية حياة زوجيّة سعيدة مليئة بالنعمة والمحبة.

وإن كانت المعموديّة تشبه يوم زفاف المؤمن واتحاده مع المسيح، فإن عشاء الرب إذن يمثّل التجديد المستمر للمحبة والعهود، الذي أحيانًا ما يتم الاحتفال به في أعياد الزواج السنويّة. يعجبني هذا التشبيه. فهو يذكّرنا بأن عشاء الرب يتجاوز كونه مجرد ضرورة، على الرغم من كونه ضروريًا بالفعل، ويتجاوز كونه مجرد تذكار، مع أنه يذكّرنا بالفعل بأشياء ثمينة من تاريخ الفداء، كما يتجاوز كونه مجرد طقس، مع كونه يُمارَس من قبل كنائس مسيحيّة من مختلف الأطياف منذ أيام يسوع نفسه. لكن عشاء الرب، الذي يشبه وجبة عشاء ليليّة آكلها مع زوجتي، أو يشبه الأيام الخاصة الموسميّة التي نحفظها معًا، يشكّل واسطة نعمة وشركة مستمرة بين الرب يسوع وعروسه، أي الكنيسة.

متى كانت بداية عشاء الرب؟

لقد أسّس الرب يسوع المسيح نفسه ما اعتاد الكثيرون أن يطلقوا عليه اسم عشاء الرب. وهذا الاسم، عشاء الرب، المأخوذ عن الرسول بولس في ١ كورنثوس ١١: ٢٠، يعرف أيضًا باسم الإفخارستيّا (أي الشكر) (١ كورنثوس ١١: ٢٤)، والشركة المقدسة (١ كورنثوس ١٠: ١٦). وفي حين تختلف التسميات، إلا أن كل إنجيل من الأناجيل الإزائيّة يسجّل لنا تلك الليلة الرائعة التي فيها أعاد يسوع صياغة وجبة دينيّة يهوديّة قديمة كانت تُمارَس طوال قرون مضت، وهي وجبة الفصح، بمفردات علاقة عهد جديد معه تمت وتحققت بموته، ودفنه، وقيامته (متى ٢٦: ٢٦-٣٠؛ مرقس ١٤: ٢٢-٢٦؛ لوقا ٢٢: ١٩-٢٠).

ففي الضربة الأخيرة على أرض مصر، أرسل الله ملاك الموت ليجتاز الأرض كلها، ويقتل كل بكر ذكر من الناس والبهائم. وقد أُمِر الإسرائيليون، كي يفلتوا من هذه الدينونة، أن يقدموا ذبيحة من حمل بلا عيب لكل بيت، وأن يرشّوا دم الذبيحة على القائمتين والعتبة العليا لبيوتهم. وحين يرى ملاك الموت بيتًا عليه دم الذبيحة، كان “يعبر عن” (pass over) ذلك البيت. فقد حّول الدم دينونة الله عن ذلك البيت. وفي أثناء خروج الشعب، أمر الله بني إسرائيل بأن يصنعوا تذكارًا لهروبهم وخلاصهم من أرض مصر من خلال وجبة خاصة (خروج ١٢).

وطوال قرون عديدة بعد تلك الليلة المخيفة، أعدّت العائلات اليهوديّة الأمينة طعام الفصح، وقامت برواية قصة الخلاص المعجزي الذي صنعه الله للجيل التالي من الأطفال اليهود. ولا شك أن تلك الأمور كانت تدور بخلد تلاميذ يسوع حين أعطاهم يسوع تعليمات بأن يعدوا للفصح (متى ٢٦: ١٧-١٩). لكن في أثناء وجبة الفصح هذه، تحدث يسوع بكلمات جديرة بالملاحظة ومثيرة للدهشة بشأن المعنى الحقيقي للوجبة نفسها:

وَفِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ أَخَذَ يَسُوعُ الْخُبْزَ، وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَى التَّلاَمِيذَ وَقَالَ: «خُذُوا كُلُوا. هذَا هُوَ جَسَدِي». وَأَخَذَ الْكَأْسَ وَشَكَرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلاً: اشْرَبُوا مِنْهَا كُلُّكُمْ، لأَنَّ هذَا هُوَ دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا. وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي مِنَ الآنَ لاَ أَشْرَبُ مِنْ نِتَاجِ الْكَرْمَةِ هذَا إِلَى ذلِكَ الْيَوْمِ حِينَمَا أَشْرَبُهُ مَعَكُمْ جَدِيدًا فِي مَلَكُوتِ أَبِي. (متى ٢٦: ٢٦-٢٩)

إلامَ يشير عشاء الرب؟

إن عشاء الرب، مثله مثل المعموديّة، يعد علامة وختمًا لنعمة الله. فهو أيضًا يشير إلى إنجيل ربنا، وذبيحته عنا، وإلى الفداء بواسطة الإيمان باسمه.

العناصر: الجسد والدم. في الليلة التي أسّس يسوع فيها فريضة الشركة المقدسة، قام بإعادة تعريف عناصر هذه الوجبة. فطوال قرون، كان الخبز والخمر تذكارين للحملان التي ذبحت في ذلك الفصح الأول. إلا أن يسوع كشف عمّا كان يشير إليه حتى ذلك الفصح الأول: أي جسده المكسور ودمه المسفوك عن الخطايا. فقد كان على التلاميذ أن يتذكّروا، في فعل الأكل والشرب البسيط هذا، أن المسيح فصحنا قد ذُبح (١ كورنثوس ٥: ٧). فهو قد بذل نفسه “مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا”.

هذه العلامات إذن، تقدم صورة عن الإنجيل للكنائس المؤمنة والشاهدة. وحين ينال صديقي ماثيو المعموديّة لينضم إلى جماعة العهد، سيربح امتياز الانضمام إلى أولئك الذين “يخْبِرُونَ بِمَوْتِ الرَّبِّ إِلَى أَنْ يَجِيءَ” (١ كورنثوس ١١: ٢٦). فإن عشاء الرب ينادي، ويقر، ويحتفل على نحو ملموس ومادي بما هو “فِي الأَوَّلِ… أَنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ الْكُتُبِ” (١ كورنثوس ١٥: ٣).

فلا ينبغي على المؤمنين أن يبتعدوا قط عن انتفاعهم بفوائد ومزايا إنجيل المسيح. فإن المسيح يمنح الكنيسة علامات، أو كلمات منظورة، تنعش باستمرار ذاكرتنا لنتذكر ذبيحته. فإننا نأكل ونشرب في إيمان، فيتمثّل أمامنا مرة أخرى غفران خطايانا بالمسيح كتذكار عن فاعليّة كفارته.

الوجبة: تغذية. ربما يكون أوضح ما يشير إليه عشاء الرب هو التغذيّة الروحيّة التي يحصل عليها المؤمنون في تلك الوجبة. فكما أن الخبز والخمر الفعليّين يغذّيان الجسد ويشبعانه، هكذا أيضًا مائدة الشركة تغذّي نفس المؤمن وتشبعه. فعلى مائدة الشركة، “نأخذ ونأكل”، و”نشرب الكأس”، فنتغذّى على المسيح بالإيمان. ويصف إقرار إيمان لندن المعمداني (١٦٨٩) هذا الرأي كالآتي:

إن المتلقّين المستحقين، الذين يشتركون ظاهريًا في العناصر المنظورة لهذه الفريضة، ينالون أيضًا، داخليًا بالإيمان، حقًا وبالفعل، ومع ذلك ليس جسديًا أو بدنيًا، بل روحيًا، المسيح مصلوبًا، ويتغذون عليه، وعلى جميع مزايا وفوائد موته. وحينئذ يتصوّر جسد المسيح ودمه في تلك الفريضة، ليس بدنيًا أو جسديًا، بل روحيًا، أمام إيمان المؤمنين، كما أن العناصر نفسها موجودة أمام حواسهم الخارجيّة. (٣٠: ٧)

وبهذا، يظل يسوع هو الطعام الذي يتغذّى عليه المؤمنون. فهو يصوّر نفسه أمام حواسنا باعتباره “خبز الحياة”. وإذ نتغذّى على المسيح بالإيمان، ننال في أنفسنا الفوائد والنعمة التي تسندنا وتؤيّدنا عبر الحياة المسيحية. “فإن يسوع المسيح موجود هناك، يُقدَّم لنا كي نمتلكه، وفيه نجد ملء النعمة التي يمكن أن نرغب فيها، وفي هذه الفريضة ننال معونة جيدة لتثبيت وتمكين ضمائرنا في الإيمان الذي ينبغي أن يكون لنا فيه”.[11]

هذا يعني، جزئيًا، أن عشاء الرب يخص المؤمن الضعيف. فلا أحد يقبل إلى المائدة في استحقاق لا تشوبه شائبة أو في قوة بلا أي خلل. بل نحن نقبل إلى المائدة مُعوَزين. نقبل إليها وقد أتينا لتونا من صراعاتنا مع الخطية، ومن إحباطاتنا، ومن عدم إيماننا، ومن العالم. فنحن في حاجة إلى أن نُطعَم ثانية. وبحاجة أن ننال الدعم والتأييد الذي يتيحه المسيح ويوفره. وبالإيمان ننال التغذية التي نحتاجها فيما نشرب من مزايا عمل يسوع الكفاري لأجل الخطاة والضعفاء.

كيفيّة الممارسة: اشتراك مع المسيح. لا تعد عناصر الإفخارستيا رمزيّة فقط، بل إن كيفية الممارسة نفسها أو الاشتراك في العشاء ترمز أيضًا إلى حقائق هامة. ويوجز ريتشارد فيليبس ما يشير إليه فعل الأكل والشرب في العشاء كالآتي:

يشير أكل المؤمنين للعناصر إلى اشتراكهم في المسيح المصلوب. بالإضافة إلى ذلك، هذا الاشتراك في الفريضة المقدسة يشير إلى تأثير موت المسيح في منحه الحياة والقوة للنفس، كما أن الطعام والشراب يشدّدان الجسد. علاوة على ذلك، كما ترمز الفريضة المقدسة إلى اتحاد المؤمنين مع المسيح، فهي أيضًا تصنع فارقًا منظورًا بين أعضاء كنيسة المسيح والعالم، في حين تشير إلى شركة المؤمنين بعضهم مع البعض فيه.[12]

وبهذا يعيد فيليبس صياغة ما كتبه الرسول بولس منذ عدة قرون عن الإفخارستيا:

لِذلِكَ يَا أَحِبَّائِي اهْرُبُوا مِنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ. أَقُولُ كَمَا لِلْحُكَمَاءِ: احْكُمُوا أَنْتُمْ فِي مَا أَقُولُ. كَأْسُ الْبَرَكَةِ [الشكر] الَّتِي نُبَارِكُهَا، أَلَيْسَتْ هِيَ شَرِكَةَ دَمِ الْمَسِيحِ؟ الْخُبْزُ الَّذِي نَكْسِرُهُ، أَلَيْسَ هُوَ شَرِكَةَ جَسَدِ الْمَسِيحِ؟ (١ كورنثوس ١٠: ١٤-١٦).

فإن أكل وشرب هذه الوجبة يشير إلى اتحاد المؤمن أو اشتراكه مع المسيح. وبهذا ينتفع المؤمنون بمزايا وفوائد عمل المسيح الكفاري، ويتّكلون على تشديد المسيح، خبز الحياة، المستمر.

هذه هي المبادلة الرائعة التي صنعها معنا، بدافع إحسانه الذي لا يُقاس. فإذ صار ابن الإنسان معنا، جعلنا أبناء لله معه، وإذ نزل إلى الأرض، أعد لنا صعودًا إلى السماء. وإذ أخذ فناءنا وموتنا، نقل إلينا خلوده. وإذ قبل ضعفنا، شدّدنا بقوته. وإذ حمل فقرنا، نقل غناه لنا. وإذ حمل ثقل إثمنا (الذي كان يقمعنا)، كسانا ببره.[13]

الخبز: وحدة الكنيسة. وأخيرًا، يمثّل عشاء الرب أيضًا وحدة شعب الرب. “فَإِنَّنَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ خُبْزٌ وَاحِدٌ، جَسَدٌ وَاحِدٌ، لأَنَّنَا جَمِيعَنَا نَشْتَرِكُ فِي الْخُبْزِ الْوَاحِدِ” (١ كورنثوس ١٠: ١٧). حين تجتمع الكنيسة على مائدة الرب، لابد للمؤمنين أن يدركوا قيمة هذه الوحدة الروحية العميقة. فقد وبّخ بولس أهل كورنثوس لإخفاقهم في أن يظهروا وحدتهم في المسيح. فهو لم يمدحهم، وقال لهم إنهم “يجْتَمِعُونَ لَيْسَ لِلأَفْضَلِ، بَلْ لِلأَرْدَإِ” (١ كورنثوس ١١: ١٧). فقد ظهرت الانشقاقات والاضطرابات في كنيسة كورنثوس أولاً في الانشقاقات التي كانت تحدث عند مائدة الرب (١ كورنثوس ١: ١٠-١٣؛ ١١: ١٨-١٩). فإن محبة الذات والنهم هيمنا عند المائدة حتى أن بولس استنتج أنهم اجتمعوا “لَيْسَ هُوَ لأَكْلِ عَشَاءِ الرَّبِّ” (١ كورنثوس ١١: ٢٠).

وكي تكون هذه الوجبة بالحقيقة هي عشاء الرب، كان يلزم على أعضاء الكنيسة أن يأكلوا ويشربوا “باستحقاق”، جزئيًا من خلال “تمييز جسد الرب” في العشاء (١ كورنثوس ١١: ٢٧، ٢٩). أي أنهم كان لابد أن يميزوا وحدة الكنيسة كخبز واحد، وشعب واحد، مجتمعين معًا مع المسيح بذبيحته عنا. وكان الإخفاق في فعل هذا بمثابة أن تصير “مُجْرِمًا فِي جَسَدِ الرَّبِّ وَدَمِهِ” (١ كورنثوس ١١: ٢٧). وفي مثل هذه الحالات، صارت المائدة أيضًا موضع دينونة وامتحان للنفس (١ كورنثوس ١١: ٢٨-٣٤).

عشاء الرب ختم:

إلا أن عشاء الرب لا يقف عند كونه علامة. بل إن الشركة المقدسة هي أيضًا ختم. فمن خلال الاشتراك المنتظم في عشاء الرب، ينال المسيحيون بالإيمان ختم أو “سمة” تميّزهم كمنتمين ليسوع وكشعب العهد المنتمي لله. وهذا هو المقصود، جزئيًا، حين يصف إقرار إيمان هيئة ائتلاف الإنجيل عشاء الرب بأنه “تجديد مستمر للعهد”. ففي عشاء الرب، يتحدّث الرب إلى شعبه عن محبته ورحمته المستمرة من نحوهم.

يختم عشاء الرب شعب الله من خلال منحهم برهاناً أكيداً عن اشتراكهم في المسيح. فإن المسيح هو من بهذا يعرف خاصته، مادًا يده ليعطيهم خبز وجبة العهد وكأسها. ويقول جون ماري: “حين نشترك في الكأس بإيمان، يكون هذا بمثابة شهادة تصديق يمنحنا إيّاها الرب ليقول إن كل ما يشمله العهد الجديد بدمه هو لنا. فإن هذا هو ختم نعمته وأمانته”.[14]

في حين تمثل المعموديّة نوعًا ما من “قبلت الزواج” (I do) الذي يُقال بين المسيح وعروسه، يُكرّر العشاء عبارة “أستمر” (I continue)، تعبيرًا عن محبة يسوع للكنيسة. فإن الشركة المقدسة تذكّرنا بأن محبته لنا تدوم إلى الأبد.

عشاء الرب وحضور المسيح:

إن كان عشاء الرب تجديدًا مستمرًا للعهد، فإن هذا يفترض إذن اشتراكًا أو شركة حقيقية مع المسيح. ولذا لابد ليسوع أن يكون حاضرًا عند العشاء على نحو له مغزى وأهمية. وفي تاريخ الكنيسة، كانت هناك ثلاث وجهات نظر رئيسيّة بشأن حضور المسيح في عشاء الرب.

الحضور المادي الحقيقي. تُعلّم الكنيسة الكاثوليكيّة الرومانيّة بأنه في أثناء ممارسة الإفخارستيا، تجري معجزة حيث يظل الخبز والخمر في هيئة خبز وخمر كما هما، ولكنّهما في الحقيقة يتحوّلان إلى جسد ودم المسيح الماديين. وهذا الرأي، الذي عُرف بالاستحالة (transubstantiation)، يدَّعي أيضًا أنه في الإفخارستيا يحدث إعادة تمثيل لذبيحة المسيح التي تمت على الصليب، ليس كمجرد علامة لتذكّر موت الرب.

وفي جدال الكنيسة الكاثوليكية الرومانيّة لصالح فكر الاستحالة، تقوم بممارسة الضغط على الصورة البلاغيّة لكلمات يسوع القائلة: “هذا هو جسدي … هذه الكأس هي دمي”، جاعلة إياها كلمات حرفيّة مصمتة. علاوة على ذلك، يناقض إصرارهم على أن طقس القداس يقوم بإعادة تمثيل ذبيحة المسيح من جديد الكتاب المقدس بوضوح (رومية ٦: ١٠؛ عبرانيين ٧: ٢٧؛ ٩: ١٢، ٢٦؛ ١٠: ١٠). فقد مات المسيح يسوع مرة واحدة وإلى الأبد، وهو الآن يحيا إلى الأبد ليشفع في شعبه.

كما يأخذ الرأي اللوثري عن حضور المسيح في عشاء الرب كلمات تأسيس المسيح للفريضة أيضًا بمحمل حرفي. إلا أن لوثر أصر على أن العناصر لا تتحوّل، بل تظل خبزًا وخمرًا، لكن جسد المسيح ودمه يكونان حاضرين في، وتحت، ومع عناصر الفريضة المقدسة. وهذا الرأي يطلق عليه “الحلول” (consubstantiation).

الرأي التذكاري. على الجانب الآخر من المشهد كانت هناك جماعات مسيحيّة تنكر حضور المسيح بأيّة صورة من الصور في عشاء الرب. فإن هذا الرأي التذكاري يسلّط الضوء على عبارة “اصْنَعُوا هذَا لِذِكْرِي” (١ كورنثوس ١١: ٢٤-٢٥). وهكذا يصير العشاء مجرد ذكري أو تذكارًا. والكثيرون على الأغلب يربطون هذا الرأي بالمصلح السويسري هولدريخ زوينجلي، الذي عارض وجهتي النظر الكاثوليكيّة الرومانيّة واللوثريّة بخصوص حضور المسيح في العشاء.

الحضور الروحي. أما الخيار الثالث فهو يتبنّى أن المسيح — في حين لا يحضر ماديًا — حاضر روحيًا في مائدة الشركة. فإن العناصر تظل خبزًا وخمرًا، إلا أن المسيح بالإيمان يتقابل مع شعبه ويكون في شركة معهم في العشاء.

فإن عبارتي “هذَا هُوَ جَسَدِي” و”هذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي” هما عباراتان مجازيتان، وفقًا لرأي الحضور الروحي. فإن الخبز والخمر لا يتغيّران بأيّة صورة فعليّة. ومع ذلك فإن العشاء يتجاوز كونه مجرد تذكارًا. وفي قول هذا الرأي إن العبارتين مجازيتان أو رمزيتان، فهو بهذا لا يحط من قدر حقيقة وأهمية الشيء المشار إليه. فإن عشاء الرب يمزج ما بين الغموض الشديد والبركة الروحيّة الحقيقيّة.

على الرغم من أن فكرة أن جسد المسيح، البعيد عنا هذه المسافة الكبيرة، يخترقنا ويدخل فينا، حتى أنه يصبح طعامنا، تبدو أنها لا تقبل التصديق، لكن دعونا نتذكّر كم أن قوة الروح القدس السريّة تفوق حواسنا جميعًا على نحو كبير، وكم أنه من الحماقة أن نرغب في أن نقيس عدم قابليته للقياس بمقاييسنا الخاصة. إذن، ما لا تدركه عقولنا، دع الإيمان يستوعبه: أن الروح القدس يوحّد حقًا بين الأشياء البعيدة عن بعضها مكانيًا.

إن هذا التناول المقدس من جسد المسيح ودمه، الذي به يسكب حياته فينا، وكأنه يخترق عظامنا حتى النخاع، يشهد هو عنها أيضًا ويختمها في العشاء — ليس بأن يقدم علامة باطلة وفارغة، بل أن يظهر في العشاء فاعليّة روحه في تحقيق ما يعد به. وحقًا يقدم المسيح الحقيقة المشار إليها في العشاء ويظهرها لجميع من يجلسون حول هذه الوليمة الروحيّة، مع كونها تُؤخَذ ويُستفاد بها من قبل المؤمنين وحدهم، الذي يقبلون هذا السخاء العظيم بإيمان حقيقي وامتنان القلب”.[15]

حين ننظر عناصر الشركة المقدسة ونشترك فيها، ننال بالإيمان كل ما تشير إليه هذه العناصر فيما يخص الجسد المكسور والدم المسفوك الذي للرب يسوع المسيح. فبالإيمان، ينضم إلينا المسيح على العشاء، منتظرين اليوم الذي فيه يفسح الإيمان المجال للعيان، فنأكل مع المخلّص في ملكوت الآب (متى ٢٦: ٢٩).

رجاء رعوي:

أشتاق إلى اليوم الذي فيه ينال ماثيو المعموديّة مع الكنيسة. وأشتاق أن أراه يبتهج بنواله علامة وختم اتّحاده مع المسيح بالإيمان. وبمشيئة الرب، سيقبل ماثيو والكنيسة بانتظام إلى عشاء الرب ليروا ويأخذوا من جديد عمل المسيح وفوائد ذبيحته. ومعًا سنسمع الرب يعبّر عن امتلاكه ومحبته لنا في العلامات المنظورة التي يعطيها لكنيسته. فنتذكّر موت مخلصنا كذبيحة عنّا ونبشر به معًا، منتظرين اليوم الذي فيه نأكل معه ثانية في ملكوت الآب. وبهذه الفرائض المقدّسة ننال إمدادات جديدة من النعمة. وبها نأخذ المسيح ربنا، وننال فرح الشركة معه. وأي فرح عظيم هذا أن نشترك في هذه الامتيازات الغنيّة المُعطاة من المسيح يسوع لشعبه!

بعض التأملات الرعويّة – اللاهوتيّة:

[دانكان]: قام ثابيتي على نحو رائع، وواضح، وكتابي، ورعوي، بوضع الخطوط العريضة بخصوص فهمنا لعشاء الرب، كما أوجز لنا ثلاثة من وجهات النظر الرئيسيّة بشأن كيفيّة “حضور” المسيح (أو عدم حضوره!) في العناصر أو في كيفيّة ممارستها. لكن ربما يكون من المفيد أيضًا أن نوجز ما ركّزت عليه النصوص الكتابيّة المفتاحيّة بشأن الفرائض بوجه عام (مثل: تكوين ٩؛ ١٢؛ ١٥؛ ١٧؛ خروج ١٢؛ ٢٤؛ إشعياء ٧؛ أعمال الرسل ٢؛ رومية ٤؛ ١ كورنثوس ١: ١٧؛ ١ بطرس ٣: ١٨-٢٢)، وبشأن عشاء الرب بوجه خاص (متى ٢٦: ١٧-٢٩؛ مرقس ١٤: ١٢-٢٥؛ لوقا ٢٢: ٧-٢٣؛ ١ كورنثوس ١١: ١٧-٣٢).[16]

ما نفعله هذا هام، لأنه كلما اتّضح موقف المؤمنين حيال ما هو عشاء الرب وما ليس هو عشاء الرب، وما يقوم به وما لا يقوم به، وما يهدف إليه وما لا يهدف إليه، صار هذا أكثر نفعًا لهم كوسيلة للنمو.

إن المعموديّة وعشاء الرب، كفرائض أو طقوس، أو علامات وأختامسم للعهد، لا تُحدِث أو تُنشئ علاقة عهديّة، بل هي تصوّر علاقة عهديّة موجودة بالفعل، وتؤكّدها، تلك العلاقة المبنيّة على الاختيار، والتي بدأت بالوعد، وتأسّست بالنعمة، وبادر بها الآب، وسكبها الروح القدس، والمُرتكزة على المسيح، وتُؤخَذ بالإيمان.

المعموديّة وعشاء الرب، كفرائض أو طقوس، هي جزء من البرنامج الإلهي للضمان الأبدي. فهي تُعطى لتغذية الإيمان وتنميته بالوعود العهديّة التي نطق بها الله. وهذا الجانب هو الجانب الذي يرتبط بكون الفرائض ختمًا.

إن الله لا يحضر “في” أي فريضة، إلا أن الصورة السريّة التي تتم في كل فريضة تشير إلى وعد حضور الله المجيد، والمنعم، والعهدي، وإلى وعده بالشركة. وبواسطة الروح القدس نختبر شيئًا ما من هذا الحضور. أي أنه من خلال الفريضة، وخاصة من خلال الممارسة المستمرة والمتكررة لعشاء الرب، نرى ونختبر لمحة من الشركة المجيدة الموجودة في الوعد العهدي التام: “أَكُونُ لَكُمْ إِلهًا وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي شَعْبًا”، وفي الرجاء العهدي التام “الله معنا”، وفي الشركة العهديّة التامة “أن نتكئ على مائدته”.

توجد جوانب موضوعيّة وجوانب ذاتيّة في الفرائض، كما توجد أيضًا جوانب داخليّة وجوانب خارجيّة. وأي رفض للإقرار بالفارق ما بين العلامة (الجانب الخارجي) والشيء المشار إليه (الجانب الداخلي) يطيح بالفريضة، كما أبدى كالفن ملاحظته. وعلاوة على ذلك، إن الجانب الموضوعي (أي العلامة) موجود لأجل الجانب الذاتي (أي الحقيقة المشار إليها). وهكذا، فأن نتحدّث عن فاعليّة الفريضة في غياب الأداة الذاتيّة المفتاحيّة (الإيمان)، والتأثيرات والنتائج (إيمان متشدد، ونمو في النعمة، ويقين)، هو بمثابة أن يفوتنا الأمر برمّته الخاص باستخدام الروح القدس لعشاء الرب وغرض هذا العشاء.

ترتّبًا على هذا، لا تهب العلامات الفرائضيّة الحقيقة الفرائضيّة. فإن هذه الفرائض فعّالة في كونها تتمّم قصد الله، لكنها ليست فعّالة على نحو دائم في حد ذاتها. فلطالما وُجد من هم نظير إسماعيل وسيمون. مَن يريدون فاعليّة موضوعيّة ثابتة، أي يريدون أن تهب الفرائض تلقائيًا النعمة فقط من خلال ممارستها، وهؤلاء سيكون عليهم الذهاب إلى روما أو القسطنطينيّة، دون أدنى تأييد من الفكر العهدي الكتابي.

لم تقم قصة واحدة من قصص عشاء الرب بلفت انتباهنا إلى الحضور المادي للمسيح في العشاء. فإن لغة الجسد والدم توجّهنا بوضوح إلى التأمّل في ذبيحة المسيح العهديّة.[17]

بكل تأكيد، تدفعنا روايات عشاء الرب في العهد الجديد إلى أ) أن نقدّم شكرًا لله على الخلاص الذي لنا بالمسيح؛ ب) أن نتذكّر موت المسيح باعتباره الخروج الذي تم في العهد الجديد في وجبة عهديّة؛ ج) أن ننادي بالأهميّة التي لا تحصى وبالمعنى المجيد لموته الخلاصي؛ وأخيرًا د) أن نشترك معه ومع شعبه، الذي هو جسده.

تناول الأطفال لعشاء الرب وكلمة وداعيّة:

على الرغم من أن تناول الأطفال لعشاء الرب (أي اشتراك الأطفال الصغار في العشاء دون مجاهرة صادقة وصريحة بالإيمان)، والتي ظلّت لفترة طويلة قاصرة على الأرثوذكسيّة الشرقيّة، قد نالت بعض الرواج في الدوائر الليبراليّة والكنائس البروتستانتيّة العُليا [المترجم: أي الكنائس البروتستانتيّة المحافظة على التقاليد] (مع بعض الاستثناءات عديمة الأهمية في بعض الدوائر الإصلاحيّة المحافظة)، إلا أن غالبيّة مؤيدي معموديّة الأطفال ومؤيدي معموديّة المؤمنين من البروتستانتيين الإنجيليين يتّفقون على كون مائدة الرب مُخصّصة فقط لمن يؤمنون بيسوع المسيح. وهكذا فإن المشتركين الحقيقيّين في عشاء الرب هم من يضعون ثقتهم في يسوع المسيح وحده لأجل خلاصهم كما هو مُقدَّم في الإنجيل، وقد نالوا علامة العضويّة (المعموديّة) في جسد المسيح، أي كنيسته. فإن عشاء الرب مُخصّص للمؤمنين المجاهرين بإيمانهم بالرب يسوع المسيح، والذين يُميّزون جسد الرب، أي الكنيسة (١ كورنثوس ١١: ٢٩).

في ختام شرحنا التفصيلي للفقرة رقم ١٢ من إقرار إيمان هيئة ائتلاف الإنجيل، ربما يكون من المفيد أن نوجز بعض النقاط الهامة عن التعليم الكتابي الخاص بطبيعة الفرائض. فإن فرائض الله أو علامات العهد وأختامه هي “كلمات منظورة” (أوغسطينوس). فإننا فيها نرى بأعيننا وعد الله. بل حقّاً نرى في الفرائض، ونشتم، ونلمس، ونتذوق الكلمة. ففي القراءة العلنية للكتاب المقدس والوعظ بها، يخاطب الله ذهننا وضميرنا من خلال حاسة السمع. أما في الفرائض، فهو يخاطب ذهننا وضميرنا على نحو فريد من خلال الحواس الأخرى. فإن وعد الله يصير ملموسًا بالنسبة للحواس ومن خلالها ولها. فإن الفريضة هي علامة وختم العهد، مما يعني أنّها تذكّرنا بالوعد وتمنحنا اليقين فيه.

والوسيلة الأخرى لقول هذا هي أن الفريضة هي فعل عيّنه الله كعلامة (رمز) وكختم (تصديق) لحقيقة عهديّة أتمّتها قوة الله ونعمته، وتحدّثت كلمة الله عن أهميتها، وحصل عليها البشر أو دخلوا إلى حقيقتها بالإيمان وحده. وهكذا، فإن ضعف وهشاشة الإيمان البشري ترحّب بهذا الفعل المُنعِم من الطمأنة والتمكين. فإن الفرائض بالطبيعة تكمّل وتؤكّد وعود الله الموجودة في كلمته، والنعمة التي تنقلها الفرائض هي النعمة ذاتها التي ينقلها الوعظ. فإن الفرائض فعّالة فقط للمختارين بما أن فوائدها تقدسهم وإذ يتم نوالها بالإيمان.

 

[1] D. Marion Clark, “Baptism: Joyful Sign of the Gospel,” in Give Praise to God: A Vision for Reforming Worship, ed. Philip Graham Ryken, Derek W. H. Thomas, and J. Ligon Duncan III (Philipsburg, NJ: P&R, 2003), 171.

[2] James V. Brownson, The Promise of Baptism: An Introduction to Baptism in Scripture and the Reformed Tradition (Grand Rapids, MI: Eerdmans, 2007), 24–25.

[3] Clark, “Baptism,” 177.

[4] Donald S. Whitney, Spiritual Disciplines within the Church (Chicago: Moody, 1996), 138.

[5] من الواضح أن مؤيدي معمودية الأطفال المشيخيين لا يستخلصون من رومية ٦ بشأن طريقة ممارسة المعمودية (أي، النزول إلى “القبر المائي”) الاستنتاج عينه الذي يستخلصه مؤيدو معمودية المؤمنين، كما في الشرح بالأسفل.

[6] Clark, “Baptism,” 177.

[7] يبدو أنه لا نهاية لكتابة وقراءة الكتب عن المعمودية. لكن فيما يلي البعض من أفضل العروض للحجج المختصة بمؤيدي معمودية المؤمنين ومؤيدي معمودية الأطفال، التي تبحث في كل من الكتاب المقدس والتاريخ المسيحي.

(1) Believer’s Baptism: Sign of the New Covenant in Christ, ed. Thomas R. Schreiner and Shwan D. Wright (Nashville, TN: Broadman, 2006);

يعد هذا الكتاب مجموعة رائعة من مقالاتٍ لعماء مشهورين من مؤيدي معمودية المؤمنين.

(2) Baptism: Three Views. Ed. David F. Wright (Downers Grove, IL: InterVarsity, 2009).

كان الأستاذ رايت مشرفًا على رسالة الدكتوراه التي قمت بها في جامعة ادينبرج، وعلى الرغم من كونه شيخًا لكنيسة اسكوتلاندا (المشيخيّة)، إلا أنه كان يؤمن بمعمودية المؤمنين البالغين، وكان دارسًا رائعًا لتاريخ معمودية الأطفال. هذا الكتاب يحوي عرضًا رائعًا للآراء حول معمودية المؤمنين البالغين ومعمودية الأطفال، بالإضافة إلى رأي مساوم على شاكلة أسلوب بنيان.

(3) George R. Beasley-Murray, Baptism in the New Testament (London: Macmillan, 1962)

هذا الكتاب يعد دراسة أكاديمية شاملة تجادل في الرأي المختص بمعمودية المؤمنين فقط.

(4) Geoffrey Bromiley, Children of Promise: The Case for Baptizing Infants (Grand rapids, MI: Eerdmans, 1979).

كان بروميلي لاهوتيًا شهيرًا وبارزًا، وعلى الرغم من كون هذا الكتاب صغير الحجم، ومصمم لمستمعين من العامة، لكنه عرض بارع للرأي الخاص بمعمودية الأطفال.

(5) Paul K. Jewett, Infant Baptism and the Covenant of Grace (Grand Rapids, MI: Eerdmans, 1978).

يعد هذا نقداً لمعمودية الأطفال من منظور معمودية المؤمنين العهدي.

(6) The Case for Covenantal Infant Baptism, ed. Gregg Strawbridge (Philipsburg, NJ: P&R, 2003).

يعد هذا مجموعة من المقالات التي تتجادل باقتدار في الرأي المختص بمعمودية الأطفال.

(7) Rowland Ward, Baptism in Scripture and History (Melbourne: New Melbourne Press, 1991).

يعد هذا عرضًا موجزًا لكن مفيدًا للقضايا من منظور معمودية الأطفال، وهو يسلط الضوء على طريقة الممارسة.

(8)  Joachim Jeremias, Infant Baptism in the First Four Centuries (London: SCM, 1960).

هذا يعد مسحًا شاملاً للبراهين الآبائية، مؤكدًا على التفسير المتعلق بمعمودية الأطفال لهذه المراجع.

(9) Kurt Aland, Did the Early Church Baptize Infants? (Philadelphia: Westminster, 1963).

هذا يعد ردًا على جيريميا مناصرًا لمعمودية المؤمنين البالغين من قبل عالم لاهوتي بارز.

(10) Joachim Jeremias, The origins of Infant Baptism: A Further Study in Reply to Kurt Aland (London: SCM, 1963).

يرد جيريميا على ألاند، مع استمرار تأييده لتفسير مؤيد لمعمودية الأطفال للمراجع الآبائية.

(11) Everett Ferguson, Baptism in the Early Church: History, Theology and Liturgy in the First Five Centuries (Grand Rapids, MI: Eerdmans, 2009).

فيرجسون هذا، ذلك العالم البارز في مجال الآبائيات، المستخلص من التقليد التابع لكامبيل، يقدم مسحًا شاملاً ضخمًا للبراهين من آباء الكنيسة. ويستنتج الآتي: الوسيلة: التغطيس؛ الغرض: الغفران والتجديد (على الأقل منذ ترتليانوس فصاعدًا). ولا حاجة أن نقول إن كلا المجموعتين المؤيدتين لمعمودية المؤمنين ومعمودية الأطفال من أعضاء هيئة ائتلاف الإنجيل يمكنهم استخلاص استنتاجات مختلفة من البراهين، إلا أن مؤلَّف فيرجسون ذات أهمية.

 

[8] James Orr, “Baptismal Regeneration,” in International Standard Bible Encyclopaedia (Grand Rapids, MI: Eerdmans, 1939), 1:397.

[9] Stephen Chamock, The Doctrine of Regeneration (Repr. Grand Rapids, MI: Baker, 1980), 99–100.

[10] Westminster Larger Catechism, Question 167.

[11] John Calvin, Treatises on the Sacraments: Catechism of the Church of Geneva, Forms of Prayer, and Confessions of Faith, trans. Henry Beveridge (Grand Rapids, MI: Reformation Heritage, 2002), 173.

[12] Richard D. Phillips, “The Lord’s Supper: An Overview,” in Give Praise to God, 197.

[13] John Calvin, The Institutes of the Christian Religion, 2 vols. (Louisville, KY: Westminster, 1960), 2: 1362 (§4.17.2)

[14] Phillips, “The Lord’s Supper,” 198–99.

[15] Calvin, Institutes, 2:1370 (§ 4.17.10)

[16] لتناول أشمل لهذه النصوص، بما في ذلك تحليل ليوحنا 6 الذي عادة يتم الاستشهاد به بشكل غير منطقي، انظر

  1. Ligon Duncan III, “True Communion with Christ in the Lord’s Supper,” in the Westminster Confession into the 21st Century, vol. 3 (Ross-shire: Mentor), 429-75, esp. 450-71.

[17] يصيغ دونالد مكلويد هذا الأمر بقوة قائلاً: “إن قضية حضور الرب في الفريضة لا تثيرها مادة العهد الجديد نفسها”:

Priorities for the Church (Fearn, Scotland: Christian Focus, 2003), 122.

 

شارك مع أصدقائك